Sunday, December 22, 2013

نصوص جديدة ( القصة المسبحة)أو (قصة فى لوحات) أو (لوحات قصصية) بقلم/ صلاح الدين سر الختم على

 دخلت فى تجربة كتابة تجريبية لاأدعى لنفسى شرف ابتداعها من العدم ، فقد طورت بعض التجارب التى لامستها هنا وهناك واستخلصت منها منهجية الكتابة التى جربتها فى عدة نصوص وجدت تجاوبا وقبولا وإهتماما من العديد من المبدعين،بل ظهرت أصداء للتجربة هنا وهناك، التجربة تقوم على إيجاد مزج بين كتابة القصة القصيرة جدا والقصة القصيرة والقصيدة المشهدية التى من أبرز كتابها أمل دنقل فى ديوانه أوراق الغرفة 8 وبعض قصائده التى تعتمد على تشطير القصيدة الى مشاهد منفصلة مع وحدة الموضوع، حاولت كتابة مجموعة من القصص القصيرة جدا  المستقلة ظاهريا بحيث تشكل كل قصة لوحة قائمة بذاتها، وفى نفس الوقت يكون هناك خيط يربط بينها جميعا مثلما يربط خيط المسبحة حباتها بعضها بعضا، ويكون المغزى المراد موزعا بين وحدات القص الصغيرةالتى تبوح مجتمعة بذلك الأثر الفنى. وتبدو القصة مكونة من لوحات تعطى مجتمعة ملمحا قصصيا واحدا وأثرا نفسيا واحدا، وفى نفس الوقت تتنوع اللوحات تنوعا لافتاً. فنيا لاتشترط القصة المسبحة وهو مصطلح اراه مناسبا للتعبيرعن هذا القالب ، لاتشترط التكثيف والنهاية الصادمة المطلوبة فى القصة القصيرة جدا، ذلك ان النهاية تتكون من مجموع اللوحات ووحدات القص ، وهنا يكون تمهل السرد مع الإيجاز فى الأحداث ولشخوص وتجنب الحوار والقفلة المقسمة الى عدة قفلات جزئية ، تتجه جميعها كخيران صغيرة نحو المصب، فى خاتمة النهايات، التى يشترط فيها أن تكون تتويجا للمغزى الكلى واكتمالا له، لايعتمد التصريح، بل التلميح والتتويج للأحداث الفرعية بحدث رئيس ، أشد وقعا، أكثرتوهجا،تلخيصا شاملا ولامعا لما قبله، بلا تقرير ولاتكرار. ويجب ان تكون الخاتمة بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير، وبمثابة التماعة البرق الكبيرة التى تضئ ماقبلها من ظلمة. 
قالب(القصة المسبحة) أو (القصة فى لوحات) هو قالب مرن، يقف فى منطقة وسطى بين القصة القصيرة والقصة والقصيرةجدا والرواية، فهو يسمح ببعض التمهل فى السرد لاتسمح به القصة القصيرة جدا، وهو يميل الى إيجاز وتكثيف لاتسمح به الرواية ولاتستسيغه القصة القصيرة التى تسمح ببعض الاستطراد والتفاصيل، وفى نفس الوقت يسمح هذا القالب بتمهل فى التعامل مع النهاية لاتسمح به القصة القصيرة ولا القصيرة جدا، لكنه ليس تمهل الرواية، انه تمهل رسام يرسم مشهدا واحدا مكونا من عدة لوحات متصلة بحبل سرى واحد، وهو تمهل كاتب قصة مصورة لاتكفى الصورة وحدها للبوح بمغزاها، فيستعين الكاتب باللغة.
هذه نصوصى الأولى فى هذه التجربة:

(غزل دائرى)قصة فى لوحات بقلم صلاح الدين سر الختم على
                   
(لهب)
عند ضفة النهر وقف ليلا يتغوط متلذذاًبفعلته وهو يتخيل نصف أهل القرى يشربون ما أودعه بقلب النيل،انشقت الظلمة عن مارد قبيح الهيئة واقفاً قبالته، نصفه فى الماء وهو كتلة من اللهب،ارتجف، تصبب عرقاً وارتجف، ابتسم المارد وقال(تعال نؤسس شراكتنا، تعال حيث مصباحك السحرى)، فابتسم ، وأشتعل فضولاً ،ودخل في جوف اللهب المستعر بلا وجل.صارمن فوره مارداً من لهب.
(عمل)
صنع أدوات عمله بإتقان تام، لم ينس شيئاً، ذاع صيته بالقرى والحضر،فات نصف عمر من لم ير مارد اللهب ،ما ضاع مصاغ أو سرق،إلا وأرشد عنه وكشف،وأعاده مثل إعادة البصر لكفيف قد يئس،من تعثر عمله وهبه العمل ومن فقد الأمل  فشفاؤه على يده قد اكتمل، ومن قلبه مسود قد فاض غلاً وهدر أعطاه بوريقة صغيرة شراً معتبر،نما هو وسدر فى غيه وما أزدجر، فى جوفه لهب وفى وجهه برق لمع.قد صار سيفا من لهب.
(قربان)
كانت الفتنة أنثى جميلة جاءتهما من أقصى المدينة تسعى، مال قلبيهما إليها وهفوا،وقف المارد عاجزاً عن الحل،فكلاهما ولده ومن صلبه،كسب الأصغر الرهان حين ناصرته النار، فسفح الأكبر دمه،قهقه المارد القبيح، وانفطر فؤاد مارد اللهب، حمل رمحا ورمى،أصاب الرمح قابيله، فهوى، لكنه ما أرعوي!!


(شجار)
تماسكا بالأيدي، تراشقا بالحجارة والشهب، والأحذية، تبادلا التهم، تبرأ كل واحد من الآخر،انطلق الرصاص، احترقا، لم يبق سوى سواد فوق سطح الماء ورجل وحيد يتغوط ليلاً متلذذا بفعلته ومارد قبيح يتهيأ لمغازلة أحلامه!!!
صلاح الدين سر الختم على
مروى
25 نوفمبر 2011

النص الثانى:
(رحلتها ) قصة فى لوحات/صلاح الدين سرالختم على

 (الكرة)
لم تكن قد أكملت عامها الثانى بعد، حين انهار البيت فوق رأسها الصغير،اختار أبوها حياة جديدة وزوجة أخرى، ومثله فعلت أمها، ومثلها فعلت جدتها، وجدت نفسها كرة ملعونة يركلها اللاعبون بلا توقف.فانزوت وزوت!!
(دروب)
غاب الأب فى مدينة بعيدة وانقطعت أخباره،زوج أمها لايطيقها، والأم عند قدميه ارتمت،حلقت طائرة بها ، غابت دون إن تترك  لها منديلا لتجفف به دموعها. زوج جدتها نظر إليها شذرا فى اليوم الأول،فى أيام تالية غازلها،فى يوم ما طردتها جدتها متحججة بضيق المكان.
(سقوط)
فى الجامعة نازعتها  إلى الحب نفسها، فما أتى فارس إلا سقط على وجهه وانكفأ، ثم راودها الذى هو أستاذها ،فاستعصمت، استشاط غضبا، هددها بالرسوب،فأسقطته بالقاضية وتركت الجامعة!!
(تجارة)
طرقت أبواب العمل بإلحاح، تعبت من متابعة إعلانات التوظيف البراقةودخول المعاينات والخوض فى وحلها مع الذئاب بلا طائل، فافترشت الأرض وباعت شايا وقهوة وزنجبيلا، حين بدا ان الحظ ابتسم لها، داهمتها قوة مسلحة، بعثروا أوانيها وأحلامها، واقتادوها الى محكمة أنيقة الجدران، بيد إن جدرانها تقطر دماً وشاياً ودموعاً.حين دخلت سجدت الجدران لها فبكت!!
(حكم)
كان القاضى منهمكا فى كتابة الحكم  حين أدخلت عليه ، شاحبة حزينة وثوبها فى كفها مزق،أراد النطق بحكمه فقالت( ذرنى أبيع قليلا) قال لها بغلظة دون أن يرفع رأسه والشاي يتبخر من رأسه( لابيع إلا برخصة) ، تبسمت وقالت بمرارة( سيدى انا لا أبيع شيئا سوى المشروبات الساخنة)قال بجفاء : (ألا تفهمين...مطلق البيع محظور إلا برخصة) 
قالت له ( هل انت متأكد سيدى؟ ..اعرف من باعوا ماهو أغلى ولم يقفوا تحت سقفك!!!) فاستشاط غضباً،بات حكمها سجنا وغرامة بعد ان كان محض غرامة، نامت ملء جفونها فى سجنها، وبقى قاضيها ساهرا بعد ان اصابته بالقاضية!!!
(دورة)
في السجن، باتت كرة يركلها اللاعبون، طلبها الذى هى فى سجنه، فاستعصمت وأبت،فعل الذى يليه معها مثلما فعل،فاستعصمت،باتت ماسحة لكل بلاط متسخ، لازال أنفها شامخا،لكنها آثرت السلامة فزوت وانزوت.
صلاح الدين سر الختم على
واد مدنى 
28 نوفمبر 2013

النص الثالث:
الحصان والعصفور/ قصة فى لوحات /صلاح الدين سر الختم على

(عجينة طرية)
نظرت إليهم طويلا،تفحصتهم واحدا واحدا وهم عنها لاهون،هم بذورها التى استودعتها باطن الأرض وهى موشكة على ان تستودعهم لدى الذى لاتضيع ودائعه، تعرف ذلك فحسب، تشعر به في خفقات قلبها وشهيقها وزفيرها، تعرف انهم سيعانون بعدها، ستبدى لهم الدنيا ماكان خافيا من وجهها، يستأ سد عليهم من كان يخاف من مجرد الاقتراب منهم، تعرف الحلقة الأضعف وكيف ستنهار تحت وقع فؤوس حاقدة تحفظ وجوه أصحابها وحركاتهم وسكناتهم وما يستوطن قلوبهم المظلمة، لكن سيكون قد حيل بينها وبينهم بجدار أبدى، تنظر الى حلقتها الأضعف، ترى عيناه يترقرق فيها شئ ما، كان يرقبها باشفاق ومحبة، كان يعرف بطريقة ما أنها تتفحص الوجوه بتمهل مودع، وكان يستطيع دوما دخول أعماق عقلها وقراءة مافيه،وكان يستسلم لها طائعا، كان ذلك أجمل مافيه وأضعف مافيه، فحين تغيب بوصلته لايعود يعرف أبدا اتجاه الرياح، وسرعان مايسلم الدفة لأول من ينازعه فيها، تنظر الى الأب، الطفل الكبير،كم كان طيعا مثل ابنه البكر،لمع الخاطر المروع فى ذهنها، حين تغيب غيبتها الأبدية، ستنتقل عجينتها الطرية الى أياد لاتعرف رحمة ولاعدلاً ولا تدير الدفة سوى فى اتجاه وحيد فقط، ياآلهى... قضى الأمر، يا للهول، من لبذورى بعدى؟! يجيبها صمت وتدور عيناها من جديد فى الوجوه بلا كلل.جرت الدموع الى الداخل،فهَمَتْ عينُاها.

(الجب ) 
تتذكر، كان نجمه قد بدا يلمع،طالبا نجيبا خرج من بيت صغير لرجل بسيط هو حبله المتين للنجاة من الغرق، كانت هى والأب يسويان الأرض من الفجر الى المغيب، يعدان بذرتهما بحرص،( نم، قم،كل، صل لرب العالمين، لاتأخذ شيئا ليس لك،أغسل ملابسك بنفسك، العمل ليس عيبا، ) كان هو يشق طريقه كمدية، عمل في العطلات و قرأ بالليل تحت لمبة الجازوعمود النور، بمعدة خاوية وهمة عالية،وحين أينعت الثمرة دارن حولها كالفراش لامتصاص الرحيق، تتذكرها دونهن جميعا، نحيلة شاحبة خفيضة الصوت، تخاطبها همساً وعينها على شمعتها الوحيدة،كانت ترى الهمس فحيحاً وخفض الصوت زئيرا، والخطو الوئيد انقضاض صقر على فريسة،أما هو فلم يك يرى سوى ما أرادت النمرة الهرة الصقر أن يرى، غافلا نحو جحرها مضى ، ولقد هَمَّت به وهمَّ بها،لم يسمع الصيحة ولم ير!!آه....آه....قلبى عليل وحيلتى قليلة...................
قضى الأمر...يا للهول...من يحمى بذورى من الغرق!!!
( الحصان والسائس)
كانت الشجرة قد بدأت ثمارها تتفتح للتو،حين علا همس عن زواج،قطبت جبينها، ثم عادت ورسمت ابتسامة وقالت لنفسها( اللعنة عليك ياقلبى، لاتطاوعنى دوما ساعة الشدة، تؤنبنى ، ثم تتركنى فوق الجمر) قالت له( أنت ترى،( ولم يك يرى)، أنت تعلم أن اخوتك كلهم في رقبة أبيك ، هو يحتاج عونك، لايزال الوقت مبكرا،)...لكن عربة الأحلام المدفوعة بأياد لاترى، مضت سريعا نحو آخر الشوط، بات الحصان وحيدا مع السائس في الاسطبل. ثم بات يركض بلاكلل فى ديربى لاينتهى مع فارس وحيد لايترك ظهره أبدا، كعادة الأمهات ( غير المكتسبة ولا الموروثة) غابت هى عن المشهد بفعل فاعل.( ياآلهى: كيف تركت الحصان والمقود وساحة السباق؟! كيف تركت الجمل بماحمل؟؟؟!)

(نبوءة)
تراهم ، ظامئين،متشققى الشفاه، والجمل يمضى بما حمل بعيداً،مثل ظل شجرة بخيلة ‘يحرم نفسه على أهله،وتراها ساحرة تمتطى مكنستها وتحلق بلا توقف، تزرع بذوراً سوداء بينهم وبين(الملقى فى الجب)،يأتون أباهم عشاء يبكون،فيقول الملقى في الجب لأبيه(أكل الطير والسابلة قمحهم ، والعام عام جوع!!) ثم ينحنى ليخبئ عنهم حنطته، وهى تحلق في سماء ملبدة بالغيوم بلا جدوى، فقد انقطع حبل الكلام.يا آلهى ....ماذا فعلت؟!فى هذه المرة : همت السماء بدمع غزير، حين لامسته ونظرت اليه: كان أحمراً قانيا!!
(جنته)
دخل جنته،مزهواً كان،فيه بقية منه لاتزال باقية، فأخذ الأب معه،كانت الهرة ممتعضة،كان الأب عصفورا فى قفص من ذهب،ألقت الهرة قميصا على وجهه،ذهب البصر،بات الذى هو من صلبه ضيفاً ثقيلا فى نظره،ذات صباح تم تحرير الجنة من العصفور،تنهدت الهرة تنهيدة راحة وهى تتحسس مخالبها الطويلة ،بقى الحصان فى قفص من ذهب، ظل يهتف من غير داع: ( مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا. )، فى اللحظة ذاتها كانت دمعة العصفور تقذف شواظا من لهب( وهو لايرى..!!!)
(صورته)
كانت ترى العصفور الآن، وحيدا، حقيبته فى يده،يتجول فى الشوارع وحيدا،يستظل بشجرة تعصمه من الشمس،شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، ترى أخوة الذى كان فى حجرها وبات فى جحرها،تراهم يحلقون جميعا نحو الشجرة، يحملون في المناقير سكراً وشاياً وبرتقالاً، يتبسم العصفور، تتمدد الشجرة، تظللها غمامة،تزقزق العصافير بلا توقف، ثمة دخان بعيد متصاعد،تهمى عيناها،تنام ملء جفونها.
صلاح الدين سر الختم على
مروى
الأول من ديسمبر 2013

النص الرابع:
وثبات/ قصة فى لوحات/ صلاح الدين سر الختم على
(دموع )       

أنَّ الحصان تحت ثقل الحمولة، ترقرت الدموع فى عينيه الجميلتين، توقف قلب الحوذى، ظل الحصان يمشى  ودموعه تغسل الشوارع وعينا صاحبه شاخصتان نحو السماء.
(ذكرى)
تذكر الحصان مجده الغابر، حين كان يرتع ويلعب بجوارأمه الجميلة وظهره يتلامع كالحرير،لمعت صورة قصر منيف وطفل لطيف يطعمه بيده الصغيرة، وأنثى ناعمة تتمسح به أكثرمما تتمسح بحبيبها، فى قلب الذكرى يسمع صوت رصاصة ، فينتفض، يرى أباه ممددا وعيناه شاخصتان صوب السماء، ودموع أمه تغسل المكان فيمسى نهراً أحمراً.
(صورة)
زوت |أمه مثلما تزوى أوراق الشجر، سكن الذباب عينيها الجميلتين،دوى رصاص، ولم يرها ثانية إلا فى أحلام يقظته الكثيرة التى تخفف عليه الحمولة، يتذكر دموعه الكثيرة، نفور الأنثى، أسئلة صاحب اليد الصغيرة الكثيرة ودموعه حين أخرجوه ذات يوم من الحظيرة، ربما لأجل تلك الدموع لم تدو الرصاصة وتركوه راسفاً فى الأغلال فى الظهيرة، حرموا عليه الركض واللعب والحياة الوادعة الجميلة، ظل يمشى والدموع تغسل الشوارع ولايراها أحد، وبات هو يتشهى طلقة أخيرة.

(وثبة)
ظل الحصان يمشى، وصاحبه شاخصة عيناه نحو السماء،خرج من حدود المدينة صوب الحقول، كان يتصبب عرقاً، عاد ظهره لامعا جميلا، غسلت الدموع عينىه الجميلتين،فرالذباب من المكان، تساقطت الحمولة شيئاً فشيئاً، باتت العربةخفيفة كطائر، وثب الحصان عاليا....صوب السماء...... كان مبتسماً.
صلاح الدين سر الختم على
مروى
الثانى من ديسمبر 2013

النص الخامس:
( وافاطمتاه)*قصة فى لوحات بقلم / صلاح الدين سر الختم على

صرخة
طفلة، وزهرة، وفضاء فسيح، وعين متلصصة ، وثعبان متربص، .حين أشرقت الشمس، صرخت القرية: وافاطمتاه.
كهف
تمطى الكهف ، أنشب أظافره الطويلة فى جسد غض، ثم ضمه اليه حتى انسحقت العظام سحقاً، عندها صنع منها بودرة للتجميل ونام متوسداً ضفيرة فاطمة .
أنين
حين كان الغول يشخر فى كهفه البعيد وفاطمةتئن تحته، كان فرسان القبيلة مشغولين باستعراض للعضلات فى ناد للمثليين. 
صدى
أفاق الغول من نومته،رمى العظم ، واخذ اللحم وباع الضفيرة فى نادى المثليين وخرج، عند الباب تصدق على فاطمة بما جادت به قريحة الفرسان، وضحك ملء شدقيه،
صرخ الفرسان من اللذة( وا فاطمتاه)!

صلاح الدين سرالختم على
مروى 
الثانى عشر من ديسمبر 2013
*فاطمة السمحة(الجميلة) قصة شهيرة فى التراث الشعبى فى السودان.

النص السادس:
نص التحولات/ لوحات قصصية/ صلاح الدين سر الختم على
                                           حديقة
 كان حديقة، والأطفال عصافير، بات  مقبرة تتوسدها العصافير.      
                                          مأدبة 
 تاجر العملةأقام مأدبة كبيرة دعا اليها كل نجوم وجنرالات المجتمع، إحتفالا  بإحتراق العملة الوطنىة ، بين يديه.      
                                         قناص
 قنص القناص عمارة جديدةفى حى راقى ثمنا لرحلة قنص طويلة،نام محتضنا عروسته، فباتت  العروس غولا، كلما دنا منها رأى الدم مرتسما فوق ثغرها الصغير، فى النهاية هرول فى الشوارع عاريا، فقنصه الصبية بحجارتهم.    
                                               ظن 
حين ظن أنها دنت وتدلت ومد يده لقطف ثمارها، دوى الإنفجار، تمزق إرباً، وكانت القنبلة من صنعه.                                                صراع 
صارع الثعبان طويلا، أجاد كل فنون قتاله، فى الختام مات الثعبان بين يديه ، وانتقلت كل مهاراته اإليه، حتى سمه الزعاف.   
                                                           دميته 
         دميته تعلقت به، حين أراد الزواج من غيرها، قتلته.                                                                                                                             رجل كبير 
كان رجلا كبيرا مهما، يلعب بالبيضة والحجر، يحرك الدمى بمهارة من خلف ستار، ذات مرة غفا، حين أفاق وجد نفسه دمية من الدمى وبيضة وحجر.         
                                        تزييف 
كانت مهمته تزييف الحقائق، كان ماهرا، انتهت مهمته ذات يوم حين أعطوه حقيقة مزيفة فزيفها بردها الى أصلها 
صلاح الدين سر الختم على
مروى 19 ديسمبر 2013
النص السابع:
نبؤة / قصة فى لوحات/ صلاح الدين سر الختم على
      رسم
رسمه شخصية  عاصفة فى رواية، ذات صباح قابله فى ناصية الشارع يدخن سيجارته بعصبية وهو يسأل عن بيت الكاتب الوقح ،والشرر يتطاير من عينيه، وسكينه الموصوفة فى الرواية مشرعة تتلامع تحت ضوء الشمس، فولى هارباً.
                         وقفة
توقف عند دكان حلاق ثرثار فى شارع جانبى ليلتقط أنفاسه، حين نظر فى المرآة المشروخة رأى الحلاق الأصلع يبتسم،فتذكر أن بطل الرواية يموت فى دكان حلاق أصلع يبتسم، فسارع بالركض، دون أن ينظر إلى الوراء، فى خياله كان يرى الابتسامة اللزجة مطبوعة على ظهره.
                دوامة
أدركه التعب، تقطعت أنفاسه، توقف، أخذ يلهث، حين رفع عينيه عن الأرض، كان الحلاق نفسه أمامه مبتسماً، وكان صاحب النصل مكشرا عن أنيابه، ارتفعت اليد بالنصل، لمع فى ضوء الشمس، انطلقت صرخته قبل وصول النصل الى الهدف.
                خاتمة
كتبت الصحف فى اليوم التالى: كان مبدعا فريدا، كتب نهايته بيده.
صلاح الدين سر الختم على
مروى

22 ديسمبر 2013

Tuesday, December 17, 2013

الدمية/ قصة قصيرة جدا/ صلاح الدين سر الختم على



حين أخذوا منه دميته فجأة،انخرط فى البكاء بلاتوقف،. حين جفت الدموع، أشعل نارا فى الدمية، وابتسم أخيراً.
صلاح الدين سر الختم على
مروى
18 ديسمبر 2013

Monday, December 16, 2013

(الثقافة القرآنية والسخرية المرة وإشكالية العنوان والخاتمة ) ملامح بارزة فى قصة الشريفي / بقلم صلاح الدين سر الختم على


الأبحار فى نصوص الكاتب احمد مجذوب الشريفى مغامرة غير مأمونة العواقب، فنصوصه لاتخلو من أبعاد فلسفية وفكرية تجعل مقاربتها مخاطرة ، ونصوصه نصوص محكمة فنيا بسبب الخلفية النقدية لكاتبها، ونصوصه في معظمها مكتوبة فى قالب القصة القصيرة جدا،ومع ذلك نلحظ فى بعضها ميلا واضحا للاستطراد وكتابة القصة المشهدية ( قصة الإسكيتش) وهى قصة ذات طابع تآملى بحت، لاتتقيد كثيرا بقواعد القص القصير جداً،ويمكن القول بان تجربة الكتابة القصصية عند الشريفى لازالت فى طور التشكل، فهو لم يستقر على قالب بعينه وجنس أدبى معين، ولانزال نلامس فى نصوصه القصيرة جدا نفسا قصصيا أطول، وحينا نفسا روائيا ملحميا ملجما بواسطة الكاتب نفسه حتى يتوافق النص مع القالب الذى اختاره الكاتب،لكن المؤكد ان الشاعرية وهى عيب كبير فى كتابة القصة القصيرة والقصيرةجدا، لاتوجد فى نصوص الشريفي على الرغم من قوة اللغة عنده وثراء المفردة، فلغة الشريفي لغة صارمة ومنضبطة وملجمة بواسطة الكاتب. وهذه من سمات القاص المميز. نتناول هنا بعض نصوصه بالدراسة والتحليل لتوضيح ماسبق.
مدخل : تعريفات مهمة
تعريف القصة القصيرة:
لفظ قصة story جاء من الأصل historis الذى يعنى التاريخ history والذى يشير الى العمليات الخاصة بسرد قصة أو حكاية أو مجموعة أخبار وكذلك طريقة سردها ويشير كذلك الى سلسلة من الوقائع. ويمكن ان تكون القصة قصة حتى عندما لاتستخدم الكلمات ، كما فى القصة التى ترسم فى فن التصوير الزيتى دون كلمات، وكما فى التمثيل الصامت(البانتوميم) أو السينما الصامتة. هذا عن القصة بشكل عام. أما القصة القصيرة فهى نوع من النثر الفنى القصصى أو الحكائي الذى يقرأ بشكل مناسب فى جلسة واحدة، ومن حيث الطول فان هذا النوع الأدبى يقع بين القصة القصيرة جدا التى لايقل عدد كلماتها عن 2000 كلمة وبين القصة القصيرة الطويلة التى قد يصل عدد كلماتها الى 15 الف كلمة. تجدر الاشارة الى ان هذا التعريف تم هجره ولم يعد عدد الكلمات له أثر على تصنيف القصة وان كان لايزال معيار الطول والقصر الشديد قائما بشكل ما. القصة القصيرة اذا فن سردى حكائي يخبرنا بقصة، فى هذه النقطة هناك اتفاق عام، أما الاختلاف فيحدث فيما يتعلق بما تتكون منه هذه القصة. فى السنوات المبكرة من تاريخ القصة القصيرة، كانت القصة تتمثل فى سلسلة من الأحداث والوقائع التى تتكون من بداية ووسط ونهاية وكان التركيز على الحبكة والتحليل المتعمق للشخصية.فى القرن التاسع عشر مع ظهور كتاب عظماء مثل موباسان وتشيخوف بدأ الاهتمام بالحبكة يقل ويتراجع ويخلى طريقا للإهتمام بالشخصية على حساب الحدث. القصة القصيرة عمل فنى نثرى يتميز بالبساطة والتكثيف ويتخير لحظة من لحظات الإنسان فيعمقها، أو زاوية من زوايا حياته فيركز عليها ويكشفها فى شكل فنى يتميز بالتلميح والمواربة لا الإعلان أوالتصريح. يقول جان مارى جويو( إن مايقوله الفن العظيم يستمد قيمته مما لايقوله، مما يوحى به...الفن العظيم هو الذى يدرك روح الأشياء. هو الذى يدرك ما يربط الفرد بالكل، وما يربط كل جزء من اللحظة بالديمومة الأبدية.)
الفرق بين كتابة القصة القصيرة والرواية ليس فرقا فى الطول فحسب، ففى حين يتعامل الروائي مع أركان عالم متكامل قابل للإمتداد والإستطراد والتفصيل وقابل للتطوير فى كل مكوناته من الأحداث والشخصيات وغيرها، فان كاتب القصة القصيرة يتعامل مع لحظة أو فكرة أو انطباع أو احساس أو انفعال أو موقف أو زاوية من زوايا الحياة، لمحة من لمحاتها، ومضة من ومضاتها، مع لحظة فى حياة الإنسان أو ساعته فى مقابل عمر الإنسان أو حياته التى يتعامل معها الروائي. ان القصة القصيرة عمل شاق ومجهد ويحتاج خبرات عديدة ومهارات وقدرات وعمليات ابداعية، بدءا من مراقبة الواقع ورصد سكناته وحركاته واستيعابها وتمثلها ومعالجتها داخليا( داخل الذات المبدعة) ومحاولة تنظيمها وادراك مابها من وهن وخلل وقصور، واختيار الصالح منها للعمل الفنى، ومن ثم ضبط الزاوية التى سيتم التقاط مادة العمل وافكاره من خلالها، ثم تخيل مايجب ان يكون عليه العمل الفنى ومحاولة اختيار الشكل الفنى المناسب، الفن هو تشكيل كما يقول ارنست فيشر، هو اعطاء الاشياء شكلا، والشكل وحده هو الذى يجعل من الانتاج عملا فنيا، وما نسميه شكلا انما هو تجميع للمادة بصورة معينة، ترتيب معين لها،حالة نسبية من حالات استقرارها،والمضمون يتغير بلا انقطاع. وخلال عمليات الخيال يقوم الكاتب بعمل شديد التعقيد والدقة، فهو يحلل ويختار ماهو جوهرى وله معنى، وماهو مثير للاهتمام، ان عملية الكتابة تتضمن تحليلا خاصا لظاهرة ما ثم القيام بتركيبها بعد ذلك، فالخيال وسيلة داخلية جيدة لتمثيل المشكلة ومحاولة البحث عن حل لها، لذلك فهو وسيلة مهمة فى كل الفنون.
ويمكن القول باختصار ان أهم شروط القصة القصيرة جدا هو ضرورة توافر الشروط المطلوبة فى القصة القصيرة فيها وهى كونها شكل فنى نثرى حكائي يعتمد التلميح لا التصريح وهذا يقتضى ضرورة وجود التكثيف والإضمار والمفارقة. والنص القصير جدا واضح دون حاجة لتعداد كلماته. ويميزه تكثيفه الشديد عن القصة القصيرة التى تحتمل بعض الإسهاب الذى لايحتمله القص القصير جدا.
قراءة تطبيقية فى نصوص احمد الشريفى:
• شخصية متمردة:
قصير القامة نحيل الجسد ، نال الشتم و انتقادا لتربية والديه ، طرد خارج المسجد لإكثاره من إثارة اللغط أثناء الصلاة ،...، كثر عليه التعنيف والتوبيخ والتضييق بالمدرسة ... ، و كذا بالجامعة ...، ثم .. ، معارضا للمعارضة و مُتَفَلِّتَاً من قبضات السلطة ، أجمعوا عليه رئيساً توافقيا لإخراج البلاد من أزمتها السياسية.
القراءة: 
العنوان فيه اشكالية التصريح بكامل مغزى القصة(نال الشتم و انتقادا لتربية والديه ، طرد خارج المسجد لإكثاره من إثارة اللغط أثناء الصلاة ،...، كثر عليه التعنيف والتوبيخ والتضييق بالمدرسة ... ، و كذا بالجامعة ...، ثم .. ، معارضا للمعارضة و مُتَفَلِّتَاً من قبضات السلطة) العنوان شرح لكل ماتقدم بين القوسين، ومابين القوسين أصلا فيه تكرار، لكنه مقصود لضرورة فنية، وهى التأكيد على طابع الشخصية غير التوافقى، وذلك تمهيدا لجعل النهاية صادمة ، فالرجل بكل صفاته هذه يتم التوافق عليه ليخرج البلاد من أزمتها، وهنا تكمن المفارقة، فهو غير مؤهل لاداء الدور المنوط به، فاختياره يعنى ان المطلوب هو تعميق الأزمة وليس حلها، وذلك خلافا للظاهر. وهذه هى نقطة القوة فى النص. فقط يجب تغيير العنوان الى عنوان يلمح الى المغزى تلميحا، فالمغزى المخبوء هو أن الاجماع على اختيار البطل كان سببه هو الرغبة فى تعميق الأزمة وليس حلها. ثمة ملاحظات منهاان التكرار ليس ضروريا فجملة واحدة تكفى لايضاح انه ليس مؤهلا لما اختير له، عبارة ( قصير القامة ونحيل الجسد) لا اجد لهذه العبارة وظيفة فى النص فهى زائدة لان صفات الشخص الجسدية لاتؤثر على مهمته، بل تؤثر صفاته المعنوية.
________________________________________

• إقبال:
خمسينى يتخبطه الشيطان ، مترنحا بثيابه الرثة و رائحته النتنة ، بصوت عالٍ و بكَلاَمٍ فِجٍّ يغنى فجرا...، توقف ، صمت ، سكنت نفسه ، جلس ثم نهض ، جلس أخرى ، تأمل... ، غالبه البكاء فأجهش ثم جَعَرَ فاسترسل يجأر ، وعى فأقبل بعد أن سمع حى على الفلاح.
• تصوير جميل للحظة ضلال يلمع فى قلبها فجر هداية، الكاتب يتعمد تصوير لحظة الضلال بتفاصيل مؤثرة، الرجل الخمسينى يتخبط وهو فى حالة سكر بين، لكن حين يشق صوت المؤذن السكون مؤذنا لصلاة الفجر ، يشق نور الإيمان قلب الرجل فى اللحظة ذاتها، مع شروق الشمس يشرق نور فى قلب مظلم، هذا العزف الجميل على وتر الفجر صلاة والفجر خلاصا ، ظلمة الليل وظلمة الروح، ثم بزوغ الشمس فى الخارج وبزوغ شمس الهدى في قلب الرجل، هذا العزف على سلم الضلال وظلمته والهدى واشراقه هو عزف ماهر لكاتب حاذق متمكن من نصه.
________________________________________
• الصورة:
ظهرت فى سمائهم و لا أروع ، فجأة غشَّاها دخان كثيف ، انقشع ، ظهرت ليست كالأولى ، بعض الذين شاهدوها ، قالوا أنها كانت جميلة ، الذين لم يشاهدوها من قبل قالوا بل هذه أجمل، ثم علا الدخان ، مرة ...، انجلى مرات ، اختلفت قناعات الناس فرفعت مقامات و علقت مشانق.
• هو نص موغل فى الرمزية، كل قارئ سيقرؤه ويؤوله حسبما يتفق ورؤيته، وربما هذا هو بالضبط مغزاه، ان الناس ترى الأشياء ليس كما هي فى حقيقتها، بل من موقعها وموقفها وحسب تفسيرها، وكل يدفع ثمن رؤيته، فمنهم من يرتفع مقامه لان رؤيته وافقت رؤية وهوى الحاكم، وبعضهم تخسف به الأرض بسبب رؤيته غير المتفقة مع رؤية السلطة الزمنية، لهذا السبب فأن النص نفسه قابل لتأويلات كثيرة جدا، وهذه هي روعته.
________________________________________

• نقطة تحول:
عاش الحياة بكل موبقاتها ، اتُّهِمَ َبالقتل ، بُرِّئَ ، أحسن وضوءه لِيُخْرِجَ ماضيه من أطراف أصابعه.
• النص هنا يلخص قصة حياة انسان فى جمل خمس،فالرجل الذى عاش حياته بالطول والعرض وارتكب كل صنوف الموبقات، حتى انه وقف يوما متهما بقتل إنسان ، وحصل على براءة من التهمة، عاد وتاب وانفق ما تبقى من عمره فى الصلاة والعبادة لعله يغسل نفسه مما لحق بها من أدران، انه لا ييأس من رحمة الله. وتلك إشارة لها دلالتها. العنوان مثير للتساؤل أكثر من كونه إجابة، فهل نقطة التحول هى الاتهام بالقتل والبراءة؟! هل كان الاتهام باطلا؟ بمعنى هل كان ابتلاء؟! هل البراءة كانت مستحقة وبالتالى أيقظت فيه ضميره وإيمانه؟ الاسئلة ترن ، والنص يلمع على وقعها ويتوهج ويزداد ثراء.
________________________________________

• الصديق:
أصبح صديقه له كالقرين ، ما انفك والده يحذره منه إني لك من الناصحين ، َقَاسَمَهُ صاحبه أيضا إِنِّه له لَمِنَ النَّاصِحِينَ ، فَدَلاه بِغُرُورٍ ، فَلَمَّا ذَاقَ الشَّجَرَةَ تبين له شنيع فعله ، فعض على يديه قائلا : "وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا "

الفرقان ..(28)
• النص فيه تناص واضح مع القصص القرآني حتى على مستوى اللغة والمفردات، مع ذلك شعرت عند القراءة ان البناء القصصى فى النص ضعيف، لأن تركيز الكاتب على اللغة جعله يفلت الحبكة وينسى الإضمار، فجاء النص مباشرا وباح بكل أسراره علنا ، ولم يترك للقارئ ما يبحث عنه بين السطور.
________________________________________

• اضطراب و ارتجاف:
من خلال المذياع كان يستمع الى أغنيات من فنان مشهور ، تمايل معها طربا ، قرر أن يحتفظ بأغنية على شريط تسجيل ، بحث عن فارغ ، لم يجد ، يسابق الزمن ، بحث مرة أخرى ، قلب كل ما لديه ، فجأة تناول واحدا فحشره ، واصل رقصه مستمتعا ، إنتهت ، شغَّل ليستمع ، لم يدور ، أعاد ثانية ، أخرجه ، هاله ما رأى فوقع مغشيا عليه ، كل محتويات الشريط خرجت و التفت حول بعضها ، بخوف و اضطراب مرتجفا ظل يردد "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" *

* سورة الحجر الاية (9)
• النص مبنى على مفارقة رائعة،فالبطل كان مستمتعا بلحظته وبأغنية أعجبته، قرر تسجيلها على شريط، ، يبدو ان الشريط الذى اختاره ليسجل عليه كان محتويا على تسجيل للقرآن، فلم ينجح مسعاه فى التسجيل عليه،وحين اكتشف فعلته، انبعث من داخله صوت يردد آية كريمة بعينها، هى الاية الواردة بالنص، المفارقة انه أراد أن يسجل أغنية فلم يفلح وقد اعد للأمر عدته، وحين أراد محو كلام الله عن طريق الخطأ لم يفلح فى ذلك ، بل على العكس خرج القرآن من داخله. النص رائع وجميل وفيه معان جميلة تقدم فى قالب فنى وسردى عميق.
________________________________________
• تقوى:
راودها عن نفسها ، "قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا"، تصاغرت إليه نفسه فانطفأت شهوته ...، تقدم اليها لتكون زوجتة.
• جاء ليصطاد فريسة ظنها سهلة، فاذا به يصير الفريسة وتمسى هى الصياد، فقد اصطادته بتقواها ومخافتها لله التى ذكرته بوجوب تقوى الله ومخافته،لقد أرادها نزوة وشهوةمحرمة، فجعلته يتذكر قدرة الله عليه ، فطلبها فى الحلال.

• رؤيا منام:

"وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ" ، استيقظت ، تلفتت ، استرجعت ، نهضت ، صلت فجرها ، لنفسها سألت أى صوت زار منامى ؟ ، تكرر الصوت فى اليوم التالى ، ثم ثالثة أخرى...
تحركت الى حيث دُلَّتْ ، و لجذع النخلة لمست ثم هزت و لنفسها تعجبت ، صدى الصوت داخلها يحركها ، لم تهدأ حتى عزمت و شمرت و للمال أنفقت ...، 
عندما رأت النسوة للقرآن قد حفظن و تعلمن ، تساقطت دموعها رطبا جنيا.
• يعود الكاتب الى خزانته اللغوية القرآنية، ويعود الى استخدام تقنية التناص واستخدام الاقتباسات من القصص القرآنى من جديد، هذه المرة يستخدم تقنية الاستباق والرؤيا التى وردت في قصة سيدنا يوسف ليوظف ذلك كله لخدمةالنص القصصى، تفسر المرأة رؤياها بوجوب العمل على نشر التعليم الدينى، فقرنت الفهم بالعمل وانجزت مشروعها الإنسانى المتمثل فى تعليم النساء.
________________________________________
• الحريق: 
بينما البعض يتسامرون فإذا بصائح يستغيث ، النار ، النار ، تقافزوا ، شمروا ، تدافعوا ، ماء دلق و تراب أهيل ، صاحب البيت اندفع متحديا اللهب ، حاولوا منعه ، تفلت ، قاومهم ، صرخ فيهم ، لم يقدروا ... 
النار نالت حظها منه ، لم يكترث ، مبتهجا يحمل رزما رماها ، صائحا بنشوة المنتصر: لا يهم بعد ذلك شئ ، لن أترك مسودات مؤلفاتى تلتهمها النيران.
• فى النص صورة رائعة يمجد فيها المؤلف الكتابة والفكر، ففى حين كان بيته يحترق والناس يركضون لانقاذ مايمكن انقاذه، خاطر صاحب البيت بنفسه من أجل انقاذ مؤلفاته.انه تقديس الكاتب للكتابة والمفكر للفكرة.
________________________________________
• إنفاق:
العجوز الطاعنة فى السن التى تربى أبناء ولدها المتوفى ، كانت تجالس زوجة جارها حين دخل عليهما و بيديه أكياس اللحم و الخضار و الفاكهة ، لم يجد مفرا من مناولتهم للجدة التى تمنعت أن تأخذهم ... قال لها: إشتريتهم لك و أولادك أولادى ، بعد أن غادرت قامت زوجته مبتسمة برش الكسرة اليابسة بالماء المملح و الزيت.
• انها صورة رائعة تجسد المعنى القرآنى العظيم {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} سورة الحشر. سبب نزولها: أن رجلاً أتى النبي فبعث إلى نسائه ليقدن له شيئا فقلن: "ما معنا إلا الماء" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يضم أو يضيف هذا" فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله. فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيّئي طعامك واصبحي سراجك ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها ونومت صبيانها، ثم قامت وكأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ضحك الله" وضحك هنا بمعنى رضي وليس كضحك البشر، أو "عجب من فعالكما"، فأنزل الله: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [سورة الحشر]
• فالرجل فى القصة يتبع خطى السلف الصالح حذو النعل بالنعل. والمؤلف يؤكد على ثقافته القرآنية الواسعة.
________________________________________
• الأولى أحلى: 
بعد سنين ، لم تعجبه أحوال زوجته فأصبح يهيج و يغضب ، فى يوم رفع صوتا حانقا ملوحا بأصبع ، أنت أسوأ إمرأة فى العالم ... خرج غاضبا ، عاد و فى ذمته أخرى ، بعد أن ذاق عسيلتها ... طلقها ، جاء بثانية و ثالثة و... ، طأطأ رأسه للأولى
• نص لايخلو من سخرية مريرة، فخلافا لظاهر النص الذى يوحى بتقديس الرجل للزوجة الأولى، نجد ان المغزى الحقيقى هو السخرية من تفاهة الأعذار التى يسوقها بعض الرجال لتعدد الزيجات والزوجات.فلماذا لايكون هو مكمن السوء وليس النساء المتعددات اللائى تقلبن فى جحيمه؟هذا هو سؤال النص المخبوء فى طياته.
________________________________________
• لكل أجل كتاب :
مائة عام و نيف هى حياة سعيد الجد ، احدودب ظهره ، أسنانه سليمة كاملة ، له عيون قط ، ألزمته الغيبوبة فراش المرض قهرا ، أيام ، شهور ، أبناؤه ، أحفاده ، الأهل و الجيران ، يتبادلون أدوارهم فى المستشفى لرعايته ، أخبرهم الطبيب بإيقاف عمل الأجهزة بعد طول أمل من موته دماغيا ، منتظرا موافقتهم ، بعض أهل المريض اعترضوا ، آخرون رأوا صوابا ، ثلة لاذوا بالصمت ... توفى الابن الأكبر له فانشغل الناس به و تركوا المريض تَحَوَّطَهُ عناية الرحيم... بعد لأىٍ وافقوا.
فى صباح يوم بدأ نزعها عنه ، ممرضة تعثرت فأسقطت جهازا أصاب رأسه بقوة ، انتفض و ارتعش ، صرخ من الألم ، وُهِبَتْ له الحياة ... أخبر بموت فِلانٌ و فُلانَة ، زيدٌ و عبيدْ.
• النص جميل لكن أزمته هى عنوانه، العنوان يكشف مستور النص بمباشرته فيقلل من متعة قراءته والبحث عن مضمره الذى لايعود مضمرا بعد العنوان، المفارقة فى النص هى موت من لم يتوقعوا موته وحياة من توقعوا موته، فكم من عليل عاش دهرا وكم من سليم رحل واقفا بلا وداع. النص هو واحد من سلسلة نصوص كثيرة للكاتب تدور حول أسئلة وقضايا وثيقة الصلة بالحياة والموت والحق والباطل والهدى والضلال تعكس خلفية الكاتب الدينية وثقافته القرآنية الواسعة.
________________________________________
• بالون اختبار:
أرسل بالونا فى الفضاء يلهو به ، فك الخيط فغاب عن نظره ، فى بيت عرس كان الناس يتحدثون عن ذاك البالون الذى تأرجح فى سمائهم و طال تحليقه ، بعضهم قال : أمريكا أطلقته لتسمع ما يقولون و ترى ما يفعلون ، جماعة قالوا: لدراسة الأرصاد ، النساء قلن أنهن لذن الى داخل غرفهن حتى لا يظهرن عاريات بملابس البيت ، آخر قال بأنه لزم مسبحته و سجادة صلاته داعيا الله سائلا له أن يجلى البلاء ، و ... و ... و ....
ارتاع الصبى فأخرج البالون الآخر من جيبه ثم رمى به خائفا يترقب قبل أن يلحظه أحد.
• 
النص عبارة عن نكتة بارعةوسخرية مبطنة من عجز الناس امام تفسير الظواهر ومن ثم يتخبطون فى تفسيرهم لها تخبطا بينا،فالبالون الذى اطلقه الطفل لم يكن فى الحقيقة بالون اختبار، لكنه بات كذلك مصادفة، حين احتار الناس فى أمره وذهبوا فى تفسيراتهم مذاهب شتى لاعلاقة لها بالحقيقة، الى حد ان الطفل خاف ان يطلق البالون الثانى فيتهم بما هو أشد خطورة. ونلاحظ ان التناص مع القرآن الكريم موجود فى النص فى عبارة (خائفا يترقب) فهى تجعل قصة سيدنا موسى عليه السلام تقفز للأذهان في سورة القصص من الاية 20 الى الاية 22
(وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ (22))
________________________________________
• وصفة طبية:
أصابع طبعت تبدوا ظاهره ، كدمات ، تورم على خديها ، فكها ، جبينها ...
- من فعل بك هذا؟ .. سألها الطبيب
- زوجى .. نزلت دموعها 
- و لم لم تبلغى الشرطة ..؟ 
- لا أريد أن أؤذيه !
- بعد كل هذا الذى فعل بك؟.
أسئلة من الطبيب ، اجابات ، كلام ، صمت ، ثم قام باستدعاء زوجها ، و بعد خروج الزوج ..
- سأعطيك وصفة تزيل هذه الكدمات و من ثم يعود وجهك اكثر اشراقا و جمالا
- و ماهى ؟ قالت متلهفة
عليك أن تضعى نعنانا و قرفة مع قليل من الملح ، ضعيها بجوارك ، بمجرد دخول زوجك أملأى فمك منها و أبدئى المضمضضة بها و لا تدلقيها الا بعد ساعة ، ثم كرريها باقى النهار و بالليل ، عودى الى عيادتى بعد أسبوع 
- و لكن ما السر وراء هذه الخلطة و لم تعطنى وصفة طبية لاستخدمها 
- ببساطة كان زوجك يحتاج الى الهدوء فى بيته ، و أنت كثيرة الكلام فى غير مناسبة .
النص قصة مافى ذلك شك، لكنها قصة منحازة فى مضمونها للرجل، وتتضمن تبريرا للعنف ضد المرأة، فلا شئ يبرر الاعتداء اللفظى أو البدنى على المرأة أبدا، ووصفة الطبيب فيها انحياز واضح للجانى وفعله القبيح وتحيز ضد الضحية وتحميلها مسؤولية الجريمة المرتكبة بحقها. فالمرأة الضحية لعنف زوجها باتت هى المسؤولة عما الحق هبها الزوج من أذى بحجة سخيفة وهى كونها ثرثارة، فهل الثرثرة تبرر العنف ضد المرأة؟ من الصعب الموافقة على رسالة النص فهى رسالة سلبية تماما فى موقفها المبرر للعنف ضد المرأة وفى تجاهلها لمسؤولية الرجل عنه.
________________________________________

• فرشاة أسنان:
بعد أن أدخل فرشاة الأسنان داخل فمه و حركها تبين له أنها لزوجته ، أخرجها ، قلبًّها ، تمعنها ، تأكد ، انقلب بطنه ، غسل فمه ، قلًّبها ثانية ، ثم .. أرجعها منظفا أسنانه بها مرة أخرى يضحك محدثا نفسه : ليست أسوأ من .... .
• النهاية المفتوحة فى هذا النص هى سر قوته وضعفه فى نفس الوقت، فالنهاية دوما يجب ان تكون واضحة حتى تحقق الهدف منها وهو المفارقة ، لان المفارقة تبنى على وجود معنى ظاهر وآخر خفى ووجود معنيان خفيان يحكم على المفارقة بالموت ويضعف النص، فى نفس الوقت النهاية المفتوحة تحفز خيال القارئ وتفتح امامه الأبواب. في النص أمامنا يبدو الرجل ممتعضا من زوجته صاحبة الفرشاة التى ادخلها بفمه خطأ ، سبب الامتعاض غير واضح، وان كان يبدو هو انها ثرثارة، لكن الكاتب تعمد عدم الإفصاح. فجعل القارئ يقف حائرا متأملا فى النص بكامله باحثا عن السر المخبوء فيه بلا جدوى.الرسالة الوحيدة المقرؤة هى أن الرجل لايحب زوجته مطلقا.
________________________________________

• خيال...
على جانبيه يتقلب ، ثم على بطنه يتمدد ، يهدأ حينا ، يعود للتقلب ، يلملم رجليه الى صدره ، يفردهما ، يطقطقهما ، يزيح الغطاء ، يبحث عنه ، يرمى به ، يستجدى النوم ، يقترب مراودا ، ثم يفر منه ، شئ ما ضبابي لاح له ، يصعد ، يهبط ، يختفى ، يعود للصعود مشرئبا بتطاول ، يقصر ليزداد طولا حذر ، ما هى الا هنيهة حتى يتلاشى لا يكاد يبين ، ظل يرقبه بقلق ، بخوف بإضطراب ، حبس أنفاسه فى قمقم ، مرة أخرى رآه كسراب ، حقيقة ، وهم ، لا يعرف ، عظامه كادت أن تتيبس ، عيناه تحاولان الثبات مع هذا الذى يرتفع طولا ثم يقصر ، محاولا أن يكتم ضربات قلبه المتزايدة حتى لا تسمع ... قبيل الظهر و قد نام قليلا ، عرف أن ذاك الشئ ما كان إلا أخته التى كانت تحاول أن تسترق السمع متلصصة على الجيران.
• الخوف كامن فى داخله هو، صدق مخاوفه الكامنة فعاش فى رعب حقيقى ليكتشف انه كان ضحية وهم . يبدو النص يعانى من الاسهاب فى تفاصيل غير مهمة جعلته يعانى ترهلا يشتت انتباه القارئ. والإسهاب من العيوب فى القص القصير جدا، فالتكثيف والإيجاز هما أساسه.
________________________________________
• عواصف و أمطار:
ريح عصفت ، سماء أبرقت ، أرعدت ، أمطرت ، أنهمرت سيولا ، نحتت ، فتَّتْ ، جرفت ، المخلوقات فَزعَتْ ، الأرض تحت اقدامها زلزلت ، تحاول أن تأوى الى جبل عله يعصمها بعد أن رأت الهلاك و به أيقنت ، ركعت ، سجدت ، بالدعاء توسلت ، حوالينا و لا علينا ، قام من مقعده فأغلق التلفاز نهاية الفيلم
• مشهد صاخب جدا يبدأ به النص، ثم ينتهى المشهد باغلاق التلفاز، لنعرف ان المشهد كله كان مشهدا فى شاشة تلفزيون وليس من الحياة. لكن مشكلة النص عدم وجود رسالة محددة واضحة أو خفية للنص، الأمر الذى يجعل النص تأمليا صرفاً. ويبدو الكاتب لاهثا وراء فتنة اللغة التى ظهر فيها ملمح شاعرى غير معتاد منه فى نصوصه عموما.
________________________________________

• عشرة سنين: 
سنين لم تمل منه و لم تشتكى رغم قسوته ، صابرة تحتسب ، بذل مافى وسعه ليأتى بأخرى ، فشل ، حاول ثانية ، لم يكترث... اجتهد أخرى ، تعلم أنها ما عادت قادرة على التحمل من كثرة ما غرز فيها من خيوط لعمليات الترقيع و التجميل و لكنها تتماسك بصبر و جلد و تتمنى أن يكون له واحدة غيرها ، أحد الأصدقاء أهداه جزمة جديدة .

النص حافل بسخرية مريرة، فالرجل له حذاء مثل حذاء الطنبورى، لكنه يتحدث عنه كمن يتحدث عن حبيبة فاتنة، فقد أفرط فى ترقيعه مرات ومرات، حتى جاد عليه صديق بحذاء جديد، النص أضعفه تصريح الكاتب بانه يتحدث عن جزمة(أحد الأصدقاء أهداه جزمة جديدة) فهذا التصريح هدم الإضمار فى النص وشرحه، وكان الأفضل الإشارة الى الحذاء بشكل غير مباشر. فضلا عن ذلك جاءت الجملة كنهاية للقصة نهاية لاتحمل عنصر دهشة ولاتحمل تنويرا، بل هى حل قدرى لمعضلة الحذاء البالى، فهى نهاية سعيدة مرضية لكل الأطراف، لكنها نهاية جاءت من خارج سياق النص. لكن ليس ثمة مفاجأة فيها مطلقا. وهذا يقودنا الى ابداء ملاحظة عامة على نصوص الأستاذ احمد مفادها ان تلك النصوص تحتاج الى وقفة عند العنوان والنهاية.
هذه قراءة أولية لنصوص مختارة أرجو ان تكون كافية لاعطاء فكرة عامة عن القصة والأسلوب عند الاستاذ احمد الشريفي الذى تتميز كتاباته بجزالة اللغةوالطابع الانسانى لنصوصه وكونها تهتم بالعالم الداخلى للإنسان فى مواجهة مايحيط به من مؤثرات خارجية سلبية ويغلب الطابع التهكمى الساخر على الكتابات وتعانى النصوص اشكالات متكررة فيما يتعلق بتوظيف العنوان وصياغة الخاتمةوتتميز النصوص بقوة المضمون والانتصار دوما للقيم الايجابية والانغماس فى الهموم اليومية.
صلاح الدين سر الختم على
مروى 
14 و15 ديسمبر 2013
المراجع:
قصص قصيرة جدا منشورة للكاتب احمد الشريفى بمواقع الكترونية.
الأسس النفسية للابداع الأدبى فى القصة القصيرة خاصة/ دكتور شاكر عبد الحميد/ الهئية المصرية العامة للكتاب 2007.
جان مارى جويو( مسائل الفن المعاصرة) دار اليقظة العربية للتأليف والنقد/ ترجمة سامى الدروبى.
القصة القصيرة نظريا وتطبيقيا/ يوسف الشارونى دار الهلال 1977.
ارنست فيشر/ ضرورة الفن ترجمة اسعد حليم الهئية المصرية للتأليف والنشر 1971.

Friday, November 22, 2013

استخدام المفارقة في القصة القصيرة جدا (فاطمة السنوسى) نموذجاً دراسة تطبيقية بقلم /صلاح الدين سر الختم على


فاطمةالسنوسى رائدة القصة القصيرة جدا في السودان تتميز ببصمة خاصة في الكتابة ، فهى من جهة سبقت في انتاجها الكتابة النقدية عن فن القصة القصيرة  جدا فى السودان وربما في العالم العربى، وهى كتابة تأخرت كثيرا ولازالت شحيحة، فاطمة السنوسى قدمت نماذج ناضجة لفن القصة القصيرة جدا فى وقت مبكر نسبيا ، هو مطلع الثمانينات، وجاءت نصوصها المبهرة  نصوصا تعليمية مكتملة النمو ولم تحفل باخطاء البدايات التى لاتزال مصاحبة لكثير مما ينشر على انه قصة قصيرة جدا ، وهو أمر مثير للدهشة ويعنى ان فاطمة السنوسى كانت ملمة بشكل عميق بفنيات كتابة القصة القصيرة ومطلعةعلى نماذج محكمة لذلك النوع، فالمعرفة لاتستحدث من العدم، وبسبب قلة الظهور الأعلامى للكاتبة التى انسحبت من المشهد الثقافى السودانى  منذ نهاية الثمانيات وعاشت فى المنفى، لم يلامس النقاد السيرة الذاتية لها ليتم القاء الضوء على ينابيع تجربتها الثرة المدهشة بالرغم من أن نصوصها المعروفة نشرت بالصحف السيارة فقط ولم يتم جمعها ونشرها بكتاب على حد علمى. لكن التجربة المتفردة وقفت بناية شاهقة تلفت نظر المهتمين بتاريخ القصة القصيرة جدا في السودان ، وان لم تلق نفس الإهتمام والإنصاف من النقاد العرب الذين كتبوا عن تاريخ القصة القصيرة جدا  في العالم العربى، بل تجاهلوا تجربتها وريادتها واهتموا بكتاب لاحقين لها و ليس عذرا لاولئك النقاد عدم وجود كتاب مطبوع لاعمال القاصة فاطمة السنوسى، فمعظم كتاب القصة القصيرة جدا يكتفون بالنشر للتجارب في الصحف السيارة والمجلات المتخصصة ومؤخرا النشر الالكترونى. نحاول التعريف بفاطمة السنوسى وتجربتها المهمة ونصوصها وطريقتها في الكتابة زاعمين ان نصوصها تعتبر نصوصا تعليمية ذات فائدة كبيرة لكل من يهتم بهذا الفن المستحدث. ومن جهة أخرى نريد انصاف الكاتبة ونصوصها ووضعها فى المكان اللائق بتفردها وتجربتها. فى هذه الدراسة نستعرض جانبا من تجربة فاطمة السنوسي مع القصة القصيرة جدا وهو تقنية استخدام المفارقة بأنواعها المختلفة في كتابة القصة القصيرة جدا، وننهج منهجا تطبيقيا في هذه الدراسة لتكون إمتدادا لدراستنا النظرية عن المفارقة، والغرض واضح وهو يحقق عدة أهداف مجتمعة: ربط الدراسة النظرية بالواقع العملى وعملية انتاج النصوص وتحليلها لتقريب الصورة للكتاب والنقاد، تبيان الإحكام الفنى والتجويد فى نصوص فاطمة السنوسى للتدليل على ريادتها واهميةتجربتها الابداعية. تمليك القارئ منهجية علمية لتحليل وفهم النصوص .

تعريف المفارقة:
مصطلح المفارقة،وهي أن تفهم لفظ على عكس معناه أو تكّوِّن فكرة عن شيء على عكس حقيقته .
      تعتبر المفارقة من أهم مقومات النص الإبداعي ، خاصة في الرواية  والدراما. سواء كانت مفارقة  في اللغة بين الدال والمدلول  والدلالة؛ أقصد مرونة الدلالة بين اللفظ والمعنى. أو مفارقة في الموقف  بين التصور أو المعرفة والفهم لعكس الحقيقة . أو مفارقة  في الحركة بين الحركة الطبيعية للإنسان والحركة غير الطبيعية ،سواء كانت  آلية أو حيوانية أو معوقة    ( و هذه عادة توظف في  الكوميديا ).
      عند الرجوع إلى «قاموس أكسفورد» وجدناه يشير إلى أن مصطلح(Irony )  مشتق من الكلمة اللاتينية (Ironia) التي تعني التخفي تحت مظهر مخادع، والتظاهر بالجهل عن قصد، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
١- هو شكل من أشكال القول يكون المعنى المقصود منه عكس المعنى الذي تعبر عنه الكلمات المستخدمة، ويأخذ - عادة - شكل السخرية حيث تستخدم تعبيرات المدح، وهي تحمل في باطنها الذم والهجاء.
٢- نتاج متناقض لأحداث كما في حالة السخرية من منطقية الأمور.
٣- التخفي تحت مظهر مخادع أو الادعاء والتظاهر، وتستخدم الكلمة - بشكل خاص - للإشارة إلى ما يسمى بـ «المفارقة السقراطية» من خلال ما عُرف بفلسفة السؤال، وكان سقراط يستخدمها ليدحض حجة خصمه.
 هى كلام يبدو على غير مقصده الحقيقي،أو أّنها كلام يستخلص منه المعنى الثاني الخفى  من المعنى الأول السطحي، إ ذ ن المفارقة لعبة لغوية ماهرة وذكية بين طرفين: صانع المفارقة وقارئها، على نحو يقدم فيه صانع المفارقة الّنص بطريقة تستثير القارئ، وتدعوه إلى رفضه
بمعناه الحرفي، لصالح المعنى الخفي، الذي غالبا ما يكون المعنى الضد. وهو في أثناء
ذلك يجعل الّلغة يرتطم بعضها ببعض، بحيث لا يهدأ للقارئ بال إ لا بعد أن يصل
إلى المعنى الذي يرتضيه ليستقر عنده،فالمفارقة إًذا "لغة اتصال  سري بين الكاتب
والقارئ أو بين المرسل والمستقبل. والمفارقة قد تكون جملة، وقد تشمل العمل الأدبي كلَّه. وتتعدد أشكال المفارقة وأهدافها، فقد تكون سلاحا للهجوم الساخر، وقد تكون أشبه( بستا ر رقيق يخفي ما وراءه من هزيمة الإنسان".)
وتحتاج المفارقة - في صناعتها- إلى مهارة لغوية خاصة، كما تحتاج إلى
إحكام بالغ الدقة للعلاقة بين الشكل والوظيفة،أو بعبارة أخرى بين المقال والمقام. "وُتعد المفارقة من زاوية المعجمية التاريخية عاملا من عوامل الّتطور الدلالي لّلغة، من حيثإ ن الّلفظ يكتسب معها معنى جديدا هو من معناه القديم بمنزلة النقيض، وذلك حين يكون الخطاب للّتهكم ونحوه"( 1). والمفارقة صيغة من التعبير تفترض من المخاطب ،بمعنى أن المخا طب يد رك في التعبير ،(Double audience) ازدواجية الاستماع المنطوق معنى حرفيا يكمن في ناحية، ومن ناحية أخرى فإّنه يدرك أَ  ن هذا المنطوق -في هذا السياق- لا يصلح أن يؤْخذ على قيمته السطحية، ويعني ذلك أَ ن هذا المنطوق،يرمي إلى معنى آخر يحدده الموقف التبليغي، وهو معنى مناقض- عادًة - لهذا المعنى الحرفي، وبناء على ذلك تبدو المفارقة نوعا من الّتضاد بين المعنى المباشر المنطوق،والمعنى غير المباشر"ويتخصص هذا المفهوم قليلا بالمفارقة الدرامية حيث تنطق الشخصية المسرحية بشيء له عندها وعند ،(Ironie Dramatique)الشخصية الأخرى التي تخاطبها معنى ما، ولكن هذا الشيء الذي تنطق به له -عندالنظارة- معنى مختلف تما ما".( 2) إ ن هذا الَتضاد الذي نتحدث عنه يلحظه القارئ أو المخا طب من خلال السياق.
1)- خالد سليمان: المفارقة والأدب، دراسات في النظرية والتطبيق، دار الشروق للنشر والتوزيع،  عمان، د.ط، . 1991 ، ص: 08
. 2)- نبيلة إبراهيم: فن القص في النظرية والتطبيق، ص: 197 )
.
هذا باختصار تعريف نظرى موجز للمفارقة كمصطلح نقدى وفلسفى.  ولابد للناقد والكاتب من منهجية معينة يستخدمها لمعرفة المفارقة وبنائها فى النصوص والتعرف عليها وعلى دلالتها حيث وجدت.  والمفارقة لا تكون إلا عندما يكون أثرها مزيجا من الألم والّتسلية، ولا تترك القارئ  إ لا بعد أن تكون قد رسمت على شفتيه ابتسامة هادئة تصحبها السخرية من الضحية. وهي -أي المفارقة- رفض للمعنى الحرفي من الضحية، هذا الرفض للمعنى الحرفي للكلام يكون لصالح المعنى الآخر، المعنى الذي لم يعبر عنه.   وقد استقر النقد والنقاد على منهجية معينة للتعرف على المفارقة فى النص. وتتمثل العملية فيما يلى:
الخطوة الأولى: رفض المعنى الحرفى للنص:
 ينبغي على القارئ أن يرفض المعنى الحرفي، وليس أمرًا كافيًا أن يرفض القارئ هذا المعنى لأنه لا يوافق عليه، وليس كافيًا أيضًا أن يقوم بإضافة معانٍ أخرى من عنده. فإذا كان القارئ يقرأ قراءة دقيقة، فإنه لن يستطيع تجاهل هذا التنافر أو التعارض بين الكلمات وما يعرفه هو «أى القارئ». وفي كل الأحوال، فإن السبيل إلى معانٍ جديدة يمر عبر اقتناع صامت لا يمكن أن يتوافق مع المعنى الحرفي.
 وينبغي أن نلاحظ شيئين فيما يخص هذه الخطوة الأولى، وهما رفض افتراض ما، لأننا ينبغى علينا أن نرفض هذا الافتراض الصامت أو غير الواضح،.
 كما ينبغي على القارئ أن يتمكن من الإمساك بما يعتبره البعض مفاتيح خارجية. 
الخطوة الثانية: التأويل البديل :
 يقترح القارئ تأويلات أو شروحًا بديلة، وسوف تكون كل هذه التأويلات متعارضة إلى حد ما مع المعنى السطحى الظاهر لما يقوله النص، ومن المحتمل أن تكون غير متوافقة، ولكنه بالتأكيد سوف يراجع نفسه. وربما يقول: إنها سقطة من الكاتب، أو أنه مجنون، أو قد مرَّ شىء في البداية لم ألاحظه، أو أن هذه قد تعني شيئًا لا علم لى به.
الخطوة الثالثة :التعرف على القصد المحتمل أو المرجح للكاتب:
 وبناء عليه يجب أن نتخذ قرارًا بشأن معتقدات الكاتب، فعندما يقول فولتير: «إنها تمطر»، فإن ثقتنا في أن فولتير كان يستخدم المفارقة تكون عظيمة لدرجة ترقى إلى مرتبة الحقيقة، ونعتمد على قناعتنا بأنه مثلنا، يرى ويرفض ما تتضمنه العبارة «كلا الجانبين يستطيع أن يكسب الحرب نفسها». إن هذا الحكم على معتقدات الكاتب يتماشى مع تأويل المفارقة الثابتة Stable Irony ولا يتم إدراك المفارقة الثابتة بدون الوصول إلى هذا الحكم.
ونلاحظ أن الخطوتين الأولى والثانية في حد ذاتيهما لا تستطيعان أن تقولا إن العبارة بها مفارقة.
 ولا يهم إلى أي مدى نكون مقتنعين اقتناعًا راسخًا بأن العبارة غير منطقية وغير معقولة وأنها محض زيف واضح. ويجب علينا أن نقرر: هل الأمر الذي نرفضه مرفوض أيضًا من وجهة نظر الكاتب؟ وهل للكاتب سبب منطقي يجعله يتوقع أن نتفق معه؟. من البديهي أن الكاتب الذي يثير اهتمامنا به ليس إلا الشخص المبدع المسئول عن الاختيارات التي صنعت العمل، وهو ما يسمى بـ «المؤلف الضمنى» Implied Author الموجود في العمل. والحديث عن «المغالطة المتعمدة» أو «المقصودة» حديث صحيح لكنه لا يستطيع أن يحل مشكلاتنا النقدية، فنطلب الكاتب على الهاتف ونسأله ماذا كان يقصد بعبارته تلك أو هذه. إن أفضل دليل على النوايا الخفية التي تكمن خلف أية عبارة في نص هو النص كله. ولأجل بعض الأهداف النقدية، سوف يكون من المعقول أن نتحدث عن مقاصد «النص» وليس عن مقاصد «الكاتب». ولكن التعامل مع المفارقة يجعلنا نشعر بأن الحكم - بشكل نهائي - على دعوتنا ما يزال متجسدًا في وعي الكاتب حينما نكون مدفوعين باتجاه التأويل الصحيح.
 وفي نهاية الأمر: ينبغي أن نقول إنه ليس من المنطقي أن يكون الكاتب قد وضع هذه الكلمات بهذا الترتيب دون أن يكون قد قصد هذه المفارقة الدقيقة.

الخطوة الرابعة
استنباط معنى جديد
 بعدما نكون قد اتخذنا قرارًا بشأن معرفة ومعتقدات الكاتب أو المتحدث، نستطيع في نهاية الأمر أن نختار معنى جديدًا أو نختار حزمة من المعانى التي نشعر معها بالاطمئنان. وعلى عكس الافتراض الأوَّلى، فإن المعاني التي يعاد بناؤها يجب أن تكون متوافقة مع المعتقدات الخفية غير المعلن عنها التي قرر الكاتب أن يعزوها إلى المؤلف.  وهنا تلعب ثقافة الناقد وقدراته وخبراته والمامه بالموضوع وبيئة النص دورا كبيرا فى تاويل النص وترجيح هذا المعنى أو ذاك، ويجب الوضع فى الاعتبار ان شرط الاجادة في استنباط معان جديدة ليس هو موافقة الكاتب على التأويل أو رفضه، بل العبرة بمنطقية التحليل حسب عبارة النص وظروف انتاجه، وقد يكشف الناقد معان خفية حتى على كاتب النص نفسه ، وتلك هى ميزة من ميزات النقد الأمين العميق. إن استنباط المعانى الخفية المضمرة هو فى حد ذاته عملية انتاج  لنص جديد واعادة انتاج لنص مقروء، وحتى عملية إعادة الإنتاج في الحقيقة هى إبداع أصيل للناقد مثلها فى ذلك مثل عملية بناء لحن موسيقي لقصيدة ليست للملحن ومثلها مثل اداء المغنى للقصيدة واللحن ففى العمليات الثلاث هناك بصمة شخصية لكل من الناقد والملحن والمغنى وهناك منتوج إبداعى خاص به لايلغيه كونه يشتغل على نص آخر. وهذا هو مايعرف بالحقوق المجاورة فى الملكية الفكرىة. ومثلما تتطلب  كتابة النصوص الإبداعية المقرؤة ثقافة عالية وإلماما بشروط انتاجها من كاتبها ، تتطلب ذات الشئ مضافا اليه ملكة خاصة وذائقة نقدية ومعارف مفهومىة لدى الناقد تمكنه من فك شيفرة النص ومحاورته وإستنطاقه. على هدى من هذه المفاهيم ندلف الى عالم فاطمة السنوسى المدهش لقراءته وتحليل النصوص بحثا عن كيفية انتاجها ودلالتها الكامنة ومنهجية بناء النص عند فاطمة السنوسى. من خلال قراءتنا لمجموعة كبيرة من نصوص الكاتبة لاحظنا ملاحظات أولية مهمة:
 1/ انتاج نصوص فاطمة السنوسى ليس صورا بلاغية منمقة جميلة ، بل هى كتابة واعية بشروط انتاج الجنس الأدبى الذى كتبت تحت مظلته وهو القصة القصيرة جدا، وتكشف النصوص عن امتلاك الكاتبة لمعارف نقدية متقدمة حول هذا الفن، تجلت في بنية نصوصها بشكل ملفت.
 2/ المفارقة بانواعها المختلفة حاضرة حضورا مدهشا ودائما فى مجمل التجربة الإبداعية للكاتبة، بحيث يمكن الجزم بعدم وجود نص خال منها.
3/ تتميز نصوص فاطمةالسنوسى بالتدقيق في اختيار الكلمات والجمل والإقتصاد الشديد فيها، مما يؤكد وعيها بأهمية التكثيف في القصة القصيرة جدا.
 4/ تميل فاطمة السنوسى الى استخدام الجمل الفعلية.
5/ لاتخلو القصة من الطرفة والسخرية وعنصر الإدهاش والمفاجأة في الخاتمة.
6/ القصة القصيرة جدا دائما تتميز عندها بالوحدة فى الزمان والمكان والحدث وقلة الشخوص والأحداث، والسير مباشرة نحو الهدف دون تمهل أو ابطاء.
المفارقة الدرامية فى نصوص فاطمةالسنوسى: 
 ارتبطت المفارقة الدرامية بالأساس بالمسرح، فهى متضمنة بالضرورة في أي عمل مسرحى، لكن هذا لا يعنى عدم وجودها خارج المسرح، وهى تكون أبلغ أثرًا عندما يعرف المراقب ما لا تعرفه الضحية. كذلك تتحقق المفارقة الدرامية عندما يعرف المراقب ما لا تعرفه الضحية. وهذا النمط من المفارقة متداخل بشكل أو بآخر مع ما يعرف بمصطلح «مفارقة الأحداث»  والمفارقة الدرامىةهي ((المفارقة التي ينطوي عليها كلام شخصية لا تعي أن كلامها يحمل إشارة مزدوجة: إشارة إلى الوضع كما يبدو للمتكلم, وإشارة, لا تقل عنها ملاءمة, إلى الوضع كما هو عليه, وهو الوضع المختلف تماما مما جرى كشفه للجمهور)   ومن خلال قراءة العديد من نصوص الاستاذة فاطمة السنوسى نستطيع التقرير باستخدامها للمفارقة بوجه عام والمفارقة الدرامىة على وجه الخصوص فى نصوصها.
قراءة النصوص: النص الأول :
(خلعت ثوب عافيتي
لأنشره عليك..
ما وجدتك..
صار في الدنيا مريضان.)
فى هذا النص الصغير الرحب، بكلمات قليلة جدا سردت القاصة المبدعة قصة حب خالدة صورت فيها شغف المحبين وتفانيهم واخلاصهم فى الحب، لكنها لم تورد تلك المعانى صراحة، بل فعلت كما يفعل الشعراء فى الإستعارة المكنىة ، حذفت ماتريد قوله وأشارت اليه باشياء وافعال من لوازمه، صورت امرأة عاشقة سمعت بمرض حبيبها، فهرعت حاملة ماتملك وهو عافيتها لتهبها له حتى ينهض من وعكته ويتعافى ولو هلكت هى، لكن المفاجأة كانت أنها سقطت مريضة هى الأخرى مثله، وفقدت عافيتها، وبذلك صار فى الدنيا مريضان، الدلالة هنا، انها حين عجزت عن وهبه عافيتها، شاركته الألم فسقطت مريضة مثله حتى لايتألم وحده، انها صورة شفافة وعصية على التكرار للحب وأحوال المحبين رسمتها ريشة مبدعة بذكاء مفرط،فالنص المخادع يبدو للوهلة الأولى رسالة من حبيبة الى حبيبها أو خاطرة عادية لاقصة فيها، لكن من يطبق منهجية البحث عن المفارقة لتحليل النصوص يدرك حين يرفض المعنى الظاهر الحرفى للنص، أن النص له دلالةمخبوءة وكامنة وحين يبحث عنها تخرج قصة الحب المروية من بين السطور عملاقة هادرة كمظاهرة صاخبة ونرى الدموع تسيل على خد المحبوبة مثل حبات لؤلؤ أنفرط عقدها فأخذت في التساقط واحدة تلو الأخرى، ونشعر بالتياعها والحزن الذى اعتصر قلبها، ونراها تركض لتفدى حبيبها الذى تفتك به الحمى بنفسها، فتسقط فى منتصف الطريق مغشيا عليها ، يحملها المارة صوب المستشفى فتجاوره فى غرفة العمليات حين استعصى عليها أن تخرجه منها معافى ، حينها تبتسم ويدها الصغيرة تتسلل بين السريرين لتلامس يده. حينها نتساءل ( ماذا ارادت الكاتبة قوله بهذه الصور المفعمة بالمحبة والتفانى والشغف بالمحبوب؟) حينها تكون الاجابة هى ان القصة تمجد هذه القيم الجميلة وتدعو لتعزيزها وبقاءها فى عالم لاهث لايعترف بالحب ومشاعر المحبين، عالم يصنع القنبلة الذرية ويمتنع عن بناء أكواخ للمحبين ومستشفيات ولادة وحدائق لاجنود فيها ليتهامس فيها العشاق دون ان يزعجهم قانون العقوبات أو الطوارئ أو الدبابات أو القنابل، انها دعوة لتمجيد الحب فى الأرض واعلاء شأنه. وتطوف بالمخيلة قصة هدية عيد الميلاد للكاتب الأمريكى العصامى أو هنرى التى صور فيها قصة حب بين زوجين، جاء عيد الميلاد وكلاهما لايملك شيئا ليشترى هدية عيد الميلاد للاخر ، فباع الرجل ساعته ليهدى الزوجةدبوسا ذهبيا لشعرها الطويل، ففوجئ بانها قد قصت شعرها وباعته لكى تهديه هدية ذات صلة بساعته.المفارقة فى تلك القصة مفارقة درامية مثل هذه، وفى النهاية أهدى كل من الزوجين الآخر شعورا لايقدر بمال الدنيا وكنوزها، تمجيد رائع للحب والمشاعرالانسانية هو هذا النص البديع لهذه الكاتبة الشفيفة.
النص الثانى: (في قلب سحابة بعيدة
حفرا مخبأ لحبهما
امطرت السحابة
انسكب الحب على المدينة)
المعنى الظاهر لهذا النص ، عاشقان خائفان من ذيوع سرهما ( حبهما) تركا الأرض بما فيها ومن فيها، وحفرا حفرة للحب في جوف سحابة لحمايته من فضول البشر، لكن المفاجأة التى لم تكن في حسبانهما ولم تطف بخاطريهما  تحققت حين هطلت السحابة مطرا على الأرض التى هربا منها وأخفيا حبهما عن أهلها، فتحقق عكس ما اراد العاشقان  وذاع سرهما وانتشر في المدينة. القارئ قد يظن لأول وهلة من الفهم السطحى الظاهر للنص  ان النص ليس بقصة، ولكن النص في الحقيقة قصة قصيرة جدا توافرت فيها كل مقومات القص القصير جدا،فالتكثيف حاضر بقوة، والمفارقة سيدة الموقف وتشمل كامل النص المراوغ الذى لايبوح بكامل اسراره الا اذا ادركنا المفارقة ومغزاها وتوصلنا الى المضمر المخبوء خلف الكلام السطحى الظاهر، المفارقةمفارقة درامية مثل قصة عقدة أوديب المشهورة التى اراد فيها الأب تفادى النبوءة فحققها من حيث لايرغب،بطلا القصة ارادا اخفاء عشقهما وتلك دلالة خفية على كون العشق محرم ممنوع وملاحق ومطارد في البلاد مثل المخدرات والسموم وماهو بمخدر ولاسم حتى يلحق به حكم  التحريم الخاص بهما، محاولة اخفاء العشق اذا دلالة على مدلول هو القمع للحب في مجتمعنا الشرقى وتم حذف المدلول وتركت الدلالة عليه وهو (الإخفاء) ليستخلص منها القارئ الخفى والمضمر بين سطور القص، والاخفاء للحب  في( السماء) دون غيرها لم يورد اعتباطا أو عبثا، بل أن له دلالتان: الأولى : هى ان الخوف من البشر، من الأرض، لا من السماء، فالأرض هنا دلالة على البشر . وهناك دلالة ضمنية هى ان البشر هم مصدر القمع الذى يخاف منه العشاق.
الثانية: هى أن الخوف الذي يعترى العاشقين خوف من البشر، وليس من الله، ذلك أن الله لم يحرم الحب ولم يقمعه، بل حرمه البشر وقمعوه ولاحقوه بالهمس الظالم والظنون والصفات الحاطة من قدره برغم انه فطرة الله التى فطر الناس عليها وجعلها أساسا للتزاوج حين جعل السكينة الى الاخر من اسباب تشريع الزواج، وهل السكينة الى الاخر هى شئ سوى الحب؟! وفي الدلالة هنا حوار فلسفى طويل حول الحب والمفاهيم الخاطئة عنه. تتحقق المفارقة الدرامية فى النص حين تمطر السحابة فتخرج السر المخبوء بجوفها وتعيده الى الأرض مشاعا ً منتشرا على الجميع وهنا يتحقق عكس ما اراد العاشقان( أرادا الستر، فحدث هتك الأستار، أرادا الخفاء والإخفاء ، فحدث البوح والإعلان،ارادا الباطن ، فوجدا نفسيهما فى الظاهر) وهناك دلالات لهذا الإفشاء للسر من قبل السحابة:
الدلالة الأولى: أن مايخبئه الناس باعتباره عاراً يستوجب المساءلة والقمع، هو خير عميم لاتستقيم الحياة بدونه، فبدون الحب والزواج والعطاء لاينبت شئ فى الأرض ولايتحقق التكاثر، تماما كما يحدث للطبيعة كلها، فالأرض بلا سحاب يجلب الخير لاتنبت شيئا.الدلالة هنا أن عدالة السماء نصرت الحب ، فوضعته في قلب الغيث وهطلت به على الكون كله حجة على الناس الذين انكروه وجعلوا أهله يخبئونه خوفا منهم.السحاب لايحمل في جوفه سوى الخير، اذن الحب خير مستفيض وليس شرا.
الدلالة الثانية:حين فر الحب الي السماءمن القمع وحيدا ليختبئ، تمت اعادته منصورا بالغيث الى الأرض معززا مكرما، علانية وليس خفية، وهذه دلالات خفية على النصرة والأنتصار. هكذا يخرج المضمر الخفى من بين السطور القليلة عملاقا ضخما لاحدود لجماله وقوته وتعدد معانيه الكامنة. وقد لاح لى هنا تناص ظاهر _مع الفارق_ بين خروج الحب من الأرض خائفا يترقب، وبين خروج سيدنا موسى من مدينة فرعون خائفا يترقب فى سورة القصص (: ( فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ( 21) وذلك بجامع الخوف من الظالمين فى كلا الحالتين.والاستعانة بالسماء فى كلتا الحالتين.والفارق الظاهر هو قتل سيدنا موسى عليه السلام نفساً.بينما المحبين لم يفعلا ذلك. هكذا نجد ان استخدام المفارقة في النص كان استخداما مقصودا ومتعمدا وتم باحترافية عالية جملت النص واعطته أبعادا ساحرة وعمقاً.

النص الثالث:
(اخذت حبل وصلك المقطوع
حاجزاً من شك وعقدة من خوف
ونصبت مشنقة لحبك
كان الحب كبيراً ما طوقته المشنقة
فشنقت أوهامى
وحررت شهادة بقاء ابدي للحب الكبير)
النص هنا نص مراوغ  يقدم نفسه فى شكل رسالة حب برئية جدا موجهة الى الحبيب تفيده انها باقية على العهد، لكن يجب ملاحظة الكلمات( حبل) و(حاجز) و(عقدة)و ( مشنقة) و( شهادة) وملاحظة الافعال(أخذت) و(نصبت) و(طوقته) و(شنقت) و(حررت). المفارقة حاضرة في هذا النص بقوةممثلة فى  أن الحبيبة ونتيجة للشكوك والظنون والمخاوف التى فتكت بها بسبب قطع الحبيب للتواصل قررت ان تحرر شهادة وفاة للحب بعد أن تنصب له مشنقة إفتراضية( بمعنى ان تحكم على العلاقة بالموت والإنتهاء بقرار من جانب واحد) وحين حزمت أمرها وقررت اتخاذ ذلك القرار فوجئت بأن مابينهم من حب أكبر من حبال المشنقة التى نصبتها، توارت المشنقة خجلا، واكتشفت هى عظمة الحب وأنه أقوى من غضبتها العابرة وظنونها وهواجسها، لذلك وبدلا من كتابة شهادة وفاة له كما اعتزمت، قامت بتحرير شهادة خلود للحب. وهكذا انتصر الحب الكامن داخلها بلا( حبل) ولا (حاجز) ولا( عقدة) ولا (مشنقة) منصوبة ولا ( شهادة ميلاد أو وفاة) على كل أدوات القمع ممثلة في القرار المتعسف من جانب واحد ( الدكتاتورية) هى الرمز هنا، وكل ادواتها في القمع من طنون وهواجس وحواجز وحبال معقودة للشنق وللقيود ومشانق واجراءات بيروقراطية لاتضيف شيئا لحقائق الحياة الموجودة بدونها وباستقلال عنها ف ( الموت) و( الحياة) موجودان سواء صدرت شهادة ميلاد أو وفاة أو لم تصدر. مرة أخرى ينتصر النص للحب في مواجهة القمع وللحياة في مواجهة الموت وللحرية في مواجهة القمع.فاطمة السنوسى قصصيا هى خير معبر عن المرأة العربية وشوقها للحرية والحب ودفاعهاعنهما. نصوصها تنتصر دوما لإرادة الحياة في وجه ارادة الموت وارادة الحب فى وجه الكراهية.
النص الرابع:
(كتب إليها وكان على فراش المرض
«لن أموت حتى لا تبكي فتحمر عيناك الجميلتان»
لكنها حين قرأت الرسالة
بكت.. فأحمرت عيناها الجميلتان)
يبدو هذا النص قريبا من سابقه، فهو يصور تبادلا جميلا للمحبة بين عاشقين يخاف كل منهما على الآخر من النسيم، فهو يعدها وعدا مستحيلا( بأنه لن يموت) حتى لاتبكى فتحمر عيناها الجميليتان، فهو على فراش المرض لايخاف من الموت بقدر مايخاف عليها من البكاء وإحمرار عيناها!! كان قصده من الرسالة والوعد المستحيل تخفيف وقع خبر مرضه عليها، لكن الرسالة حققت عكس ما أراده، فقد تسببت في بكائها واحمرار عيناها!!   وهنا تكمن المفارقة المدهشة والخاتمة المتوهجة، فكل ما أتخذه البطل من احتياطات لدرء الخطر عنها باء بالفشل وتحققت مخاوف البطل، فهل تحققت المخاوف لأن وعده كان كاذبا ومستحيلا؟ أم انه كان فى الأصل يقصد خلافا للظاهر أن تبكيه وتحمر عيناها؟ّ! ولماذا بكت هى هل أبكتها الرسالة والمشاعر المخبوءة فيها ؟! هل كانت الرسالة وداعاً مبكرا وحين وصلتها كان المرسل قد غاب غيابه الأخير لهذا بكت لأنه كان يفكر فيها حتى آخر رمق؟! أم أبكاها خبر مرضه وشعوره نحوها؟! تتناسل الأسئلة ولاأجابة حاسمة تلوح، لكن المؤكد والثابت ان المفارقة تحققت ونال البطل عكس ماتوقع وأراد. الملفت للنظر في هذا النص هو وجود أكثر من مكان وحدث في النص برغم تكثيفه، فالمكان الأول سرير المرض حيث البطل يكتب رسالته، المكان الثانى مكان الحبيبة وهو مجهول حيث قرأت الرسالة وبكت. هناك مقابلات جميلة بين الأفعال في النص فهو(كتب) وهى (بكت) يجب ألا تفوتنا ملاحظة التلاعب بالحروف ذاتها وصيرورة المعنى مختلفا، فالحروف نفسها تتكون منها الكلمتان السابقتان. وهناك (فتحمر) و(فاحمرت)  ينطبق عليها نفس الشئ ، فالكلمة واحدة، لكن الأولى تعنى شيئا سيحدث ولم يحدث بعد، بينما تعنى الأخيرة شيئا حدث فعلا وانتهى. هذه المقابلات هى مما يميز أسلوب الكاتبة. المعنى الخفى للنص هو معنى بعيد جدا عن المعنى الظاهر أشارت اليه الكاتبة بدلالتين هما ( المرض) و(الموت) ، ودعمت الإشارة بتقنية (الإستباق ) أو التوقع لحدث ما قبل وقوعه،و (القدر) المشار اليه بما حدث فعلا. وبينهما زرعت محاولة لتفادى وقوع المتوقع. وبذلك كله نشأ صراع الارادات في النص، فالحبيب الذى داهمه( المرض) تذكر القدر المتربص (الموت) وخاف من أثره على الحبيبة( والتوقع لبكائها هو نوع من الاستباق)  وحاول الحبيب منع حدوث ذلك الأثر بارسال رسالته تلك، ولكن القدر كان أقوى فتحقق ماخشى منه. المغزى الخفى هنا ان المرض والموت يتربصان بالحب الدوائر، وتبدو فرص النجاة معدومة من كلاهما مهما فعل المحبون لتفادى ذلك،فدوام الصحة محال والخلود محال، لذلك فأن الأفضل ان نتعايش مع حقائق الحياة ولاندع الهواجس تفسد علينا حظنا في الحياة.
النص الخامس:
(سألها عن مدى حبها له
فأجابت بأنفاسك أحيا
فكتم انفاسه مداعبا فماتت!)
هذا نص باذخ في تصويره لحقيقة الحب،  فقد سألها عن مدى حبه لها فقالت له انها تعيش بأنفاسه، فظنها تتلاعب بالألفاظ وتتحدث مجازا، فكتم أنفاسه على سبيل المزاح، فانقلب المزاح ماساة ، ماتت البطلة وتبين أنها تعيش بأنفاسه فعلا، لكن البطل وقع ضحية المفارقة، فهو لم يك يدرى أنها تقول الحقيقةوحين حاول التأكد مزاحا فقد الحبيبة فلم يعد للحقيقة التى عرفها من قيمة فقد اصبحت مجازا! كانت الحقيقة أمامه فظنها مجازا، وحين أدرك أنها حقيقة لم يعد لها وجود وباتت مجازا.المغزى الخفى للنص ان الشك يقتل الحب الحقيقي، لأن الحب حين يحوطه الشك يتبخر مع الظنون ويبقى الهلام فقط. موت الحبيبة هنا مجازى وليس حقيقى والمقصود به، ان الشك فى قلبه طرد حبه من قلبها، فبات قلبها ميتا تجاهه.وهكذا تحذق الكاتبة تقنية المفارقة وتبنى نصوصها دائما على مستويين: ظاهر دال على آخر خفى، وخفى مدلول عليه ببعض آثاره وعلاماته.مع ملاحظة الأنسنة الدائمة للنصوص عند فاطمة السنوسى، فهى تكتب دوما عن الإنسان وصراعه فى الحياة وتنتصر للقيم الإيجابية وتدين القسوة والفظاظة والأوضاع المزرية التى يرزح تحتها الإنسان المعاصر.

النص السادس:
 (تحاببنا بصدق
توحدنا..
سألني صورتي..
فأعطيته المرآة..) 
هذا النص روعته في في خاتمته، فالخاتمة عند فاطمة السنوسى تحمل اللغز وحله، المضمرودلالته القوية، الخاتمة عندها هى القنبلة الملقاة من طائرة والتى يتوهج المكان بضوئها فتلمح العين الإبرة فى كومة القش، لكن تلك الومضة قصيرة العمر، فهى لاتدوم طويلا ، ولكنها تتجدد مع كل قراءة للنص.سؤال النص لماذا اعطته المرآة؟! الإجابة مضمنة في الكلمة السابقة لجملة (سألنى صورتى) وهى كلمة( توحدنا) المغزى هو قطعة احجية مخبوءة بين ( توحدنا) و(فأعطيته المرآة)  وتفسيره بسيط جدا: توحد العاشقان صارا روحا واحدة وعندما سألها صورتها أعطته المرآة لان صورتها باتت محفورة فيه وداخله ولم تعد منفصلة عنه، فحين ينظر فى المرآة سيراها هى وبذلك لايحتاج الى الصورة وقد ملك الأصل!! يا للروعة. صراع الظاهر والخفى والدال والمدلول عليه فى قمته فى النص.

النص السابع:
 (عبر منفذ صغير
اقتحمت حياته..
دخلت عالمه الرحب..
استغرقتني كنوزه..
ضاعت مني بوابة الخروج)
المفارقة هنا هى مفارقة الورطة،فهى دخلت حياته بالصدفة(عبر منفذ صغير) ومن ثم اقتحمت عالمه الذى تبين لها انه (رحب) ومتسع وليس صغيرا كالمنفذ الذى دخلت به، واخذت تتجول فى هذا العالم وتكتشف في كل لحظة جديدا، حتى تاهت فيه ولم تعد تعرف كيف تخرج ، الورطة هنا تشير الى انها غيرراغبة في الخروج فقد اختارت الإقامة الدائمة ولم تعد بحاجة لمعرفة طريق الخروج، وهكذا نكتشف ان رسالة النص هى ان الورطة ورطة جميلة في الحقيقة ، بل هى اختيار واع مارسته. نلاجظ المقابلات في النص ( منفذ صغير) دخلت به( مقتحمة) ونلاحظ انها دخلت من (المنفذ) وليس( المدخل)  وتقا بل ( المنفذ الصغير) ( بوابة الخروج) المخصصة أصلا للخروج وهى بوابة كاملة وليست منفذا صغيرا، الإشارة هنا الى كونها تسللت الى حياته وطابت لها الإقامة ورفضت الخروج لكنها تتظاهر بانها تائهة عن بوابة الخروج عمدا.الخفى فى النص هو أن الحب لايطرق الباب ولايستأذن أحدا عند الميلاد، فهو يأتى كالعاصفة بلا ميعاد، لكنه لايرحل سريعا كالعاصفة والبرق، بل يبذر بذوره فى المكان ويركل عصا الترحال ومفتاح الخروج ويبقى سيدا للدار والمكان. انه تمجيد آخر لعاطفة نبيلة.
النص الثامن :السخرية المرة وثنائية الحب والقمع:
(اقتادوه إلى مركز الشرطة
لأنه حين يذكرها
ينبض قلبه بعنف
مسبباً الازعاج العام.)
خلافا للعادة المتبعة عند فاطمة السنوسى وهى انها تبدأ بايقاع هادئ ثم يتصاعد الإيقاع كلما اقتربنا من النهاية حيث يبلغ قمته، فى هذا النص بدأت من أعلى نقطة(اقتادوه الى مركز الشرطة) حتى يثور السؤال في الذهن مباشرة( ماهو جرمه؟) فيأتى الرد العجيب المدهش (لأنه حين يذكرها ينبض قلبه بعنف مسبباً الازعاج العام) !!!! وعلامات التعجب من عندى.ينتهى النص وتتقافز الأسئلة الموجعة (أى بلاد هذه التى تعتبر الحب جريمة وضربات قلوب المحبين جريمة تسبب الإزعاج العام وتستوجب الإقتياد الى قسم الشرطة؟!) ان المفارقة هنا تتفق مع تعريف بعض النقاد لمصطلح المفارقة بما يفيد انها السخرية الواعية والتهكم المقصود الذى يخبئ في ثناياه رسائل كامنة ودلالات.فالنص تهكمى ولكنه يحوى نقدا مراً لأوضاع تساوي بين الحب والجرائم الموصوفة في قانون العقوبات وتقتاد المحبين الي اقسام الشرطة لاسباب مضحكة ونتذكر ان النص كتب بعد تجربة قوانين سبتمبر 1983 في السودان التى أثارت الرعب في الشوارع وبات السير في الشارع مع فتاة أو سيدة شبهة تبرر الاستيقاف والاقتياد الى قسم الشرطة، فجاء النص ساخرا من تلك الأوضاع مفلتا من الرقابة باعتماده المفارقة والسخرية لاخفاء مغزاه الحقيقي. انه نص يشكل امتدادا لثنائية الحب والقمع الموجودة فى معظم نصوص فاطمة السنوسي والتى تعبر عن هموم المرأة والشباب السودانى في حقبة مظلمة من التاريخ شهدت انتهاكات رسمية جسيمة للحريات الشخصية وشكلت قطيعة مع إرث سودانى عظيم من التسامح وسيادة روح سودانية لاتعتمد الشك أساسا للتشريع ومحاصرة الحريات.
النص التاسع:(الطرفةوالمدح بما يشبه الذم والذم بما يشبه المدح)
 (قرأت مرة بالصحف إعلاناً
من دائرة الشرطة برصد مكافأة
لمن يدلهم علي رجل يملك إمتاع
العقل والروح والعين والفؤاد
في لحظة واحدة..
خنت حبيبي..
أرشدتهم إلى مكانه وقبضت المكافأة)
فى هذا النص تلجأ فاطمة السنوسي الى مفارقة تعتمد على الطرفة والمدح بمايشبه الذم والذم بما يشبه المدح للايحاء بالمضمون المخبوء بين السطور والمموه جيدا،فهى تريد أن تتحدى ادوات القمع ممثلة فى الشرطة وتجاهر امامها بحبها علنا دون ان تعاقب ودون ان تفهم الضحية( الشرطة) انها موضع سخرية وتندر،فصاغت النص بحيث يفهم من ظاهره أن الشرطة اعلنت عن حاجتها لرجل تنطبق عليه مواصفات حبيبها ولأن الشرطة تعرف ان الشعب لن يتجاوب معها بلا مقابل فقد اعتاد الشعب انها تقبض على الناس وتعرض المكافآت مقابل ارشادها على المطلوبين ولن يصدقها ان قالت انها تريده لطلب برئ، لذلك قرنت الشرطة الإعلان بمكافأة لمن يرشد عنه( لم تنس اداة القمع اساليبها السيئة فى افساد الناس) هذه هى الإشارة الخفية، ومن ثم قامت البطلة بخيانة حبيبها وأرشدت الشرطة عنه وقبضت المكافأة، هذا على حد تعبيرها وظاهر القصة، لكن القصة تفيض سخرية فمن تخون حبيبها لاتتغزل فيه وتصفه بأنه(رجل يملك إمتاع العقل والروح والعين والفؤادفي لحظة واحدة..)  والشرطة لايمكن ان تصف مطلوبا لديها بهذه الأوصاف، ولايمكنها ان تتحول فجأة من أداة مهمتها قمع المحبين ومطاردتهم في الشوارع والحدائق العامة بالسياط والهروات ، الى حمامة وديعة ورسول سلام يجمع شمل العشاق ودور رسول المحبة، إذن ماذا تقصد الكاتبة بهذا النص؟ هل خانت حبيبها فعلا؟ هل الشرطة بحثت عن رجل بمواصفات حبيب؟ هذه الاسئلة تقودنا الى قناعة راسخة بان النص لايجسد حقيقته ، انما يحتوى على رسالة مخبوءة ومضمرة مفادها ان الشرطة يجب ان تكون في خدمة الحب وليس هراوة في وجهه، وانها يجب ان تكف عن ترويع العشاق وافساد الناس بالرشاوى والقمع ويجب ان تكون اداة محبة لا كراهية . وهكذا تتوغل فاطمة السنوسى مجددا فى ثنائية الحب والقمع وترفع زهور الحب الملونة في وجه القيود والهراوات الغليظة.

النص العاشر: الأمومة محبة طاهرة( مفارقة الطرفة والإدهاش)
(يضحكنى حبيبى
فهو قصير القامة جدا
مستدير الوجه جدا
صغير الوجه جدا
يفشل فى تقبيلى لاننى عندما انظر اليه
انفجر بالضحك
احببته معنى..همت به حقيقة
اعطيته الحياة.. اطال لي حياتى
نادانى.. ياماما
ناديته ..يارجل
فقد بلغ من العمر .. ثلاث سنوات)
تقدم فاطمة السنوسي فى هذا النص الرائع صورة تتدفق أمومة وحياة تجسد فيها مشاعر أم تجاه طفلها، وتتمهل في السرد عمدا لتوحى للقارئ والمستمع انها تتحدث عن حبيب  وعن علاقة حسية نوعا ما وتخبئ مفاجأتها حتى النهاية  عند جملة( فقد بلغ من العمر ثلاث سنوات) التى تنفجر فى وجهنا كقنبلة ،لنكتشف ان من تتحدث عنه الراوية هو محض طفل صغير هو طفل الراوية نفسها، فنضحك. وكان حقيقا بنا أن نبكى على أنفسنا، فقد غررت الراوية بنا جميعا واستدرجتنا الى فخ أعدته بعناية وعلى مهل، فحتى عندما ناداها( ياماما) لم نظن انه طفل وكنا لازلنا ننتظر مزيدا من أسرار تلك العلاقة التى انصرفت أذهاننا إليها..وثمة ملحوظة هنا وهى أن ورود الطرفة والإدهاش في الخاتمة كان هو مركز الثقل في القصة ولحظة الكشف المفاجئ الصادم وليس التقرير، مع إن البوح بشخصية الحبيب يعتبر تقريرا، لكن فى سياق القصة لم يكن ذكر شخصية الحبيب شرحا للقصة أو لمغزاها، بل كان هو لحظة الصدمة وأداتها وأداة الكشف عن المغزى، فالطرفة هنا ليست مقصودة لذاتها، ولكن بهدف السخرية من انصراف ذهن الناس كل ماجاء ذكر الحبيب والحب إلى علاقة حسية بين رجل وامرأة، النص يقول لاتعتقلوا مارد الحب ومفهومه الكبير فى زجاجة الأفكار المسبقة ولا تختزلوا الحب في العلاقة الآثمة بين رجل وامرأة، لاتبحثوا عن سر مخبوء خلف كل استخدام لكلمة حبيبي.باختصار سخرت الكاتب من المجتمع بأكمله وأخرجت لسانها له فى آخر جملة في القصة.
النص الحادى عشر( نوستالجيا الحنين فى  لوحة )
(في مطار ناء فخم وأنيق
رأى حقيبة متهالكة
فبكى وضج في اعماقه الحنين
لم يعرف الحقيبة لكنه
عرف ذرات التراب التي على الحقيبة)
تعزف فاطمة السنوسي ببراعة علي أوتار الحنين  في هذا النص وتتنقل ببراعة بين المعنى الظاهر للنص الذى يجسد حالة فردية لشخص غائب عن وطنه وتشير اليه بضمير الغائب  وتورد حالته ولاتصف ملامحه ولاتعطى أى معلومةعنه، ربما لتؤكد بصرامة على أنه نموذج مختار ليمثل قطاعا واسعا من الناس أو مفهوما ورمزا أكثر منه شخصا معينا بالذات، ونشعر ان هناك معنى ومعانى مستترة بين السطور الظاهرة،فالرجل الذى هو فى مطار بعيد وفخم نعرف انه لاينتمى لتلك البلاد البعيدة فهى منفى  اجبارى بالنسبةله، والحقيبة المتهالكة المجهولة بمعنى انها تخص غيره عليها ذرات تراب عرفها صاحبنا هى دلالة على انها حقيبة تخص مهاجرا جديدا قادما من ذات الوطن الذى قدم منه الرجل، بمعنى انه قادم جديد ذكر الرجل بماضيه ، بيوم بعيد جاء فيه من الوطن بحقيبة متهالكة عليها ذرات تراب حملها صاحبها عمدا لتذكره بالوطن أو صاحبته سهوا، وفى الحالتين لاتغنى تلك الذرات الصغيرة من تراب الوطن عن الوطن، لكنها ذكرت الرجل بلحظاته تلك بشجنها وحزنها ومرارتها، فبكى وطنا نائيا بعيدا أكرهته الظروف وأجبرته على مغادرته. الرجل في الحقيقة نموذج لعشرات الألوف بل مئات الألوف من السودانيين الذين تخطفتهم المنافئ الاجبارية بسبب الظروف القاسية في بلادهم على امتداد فترات الحكم الوطنى، فجميعها بلا استثناء عجزت عن وقف نزيف الهجرة وعجزت عن توفير حياة كريمة لابناء السودان. النص انشودة مطر حزينة مماثلة لصرخة السياب في الخليج حين داهمه الحنين الي العراق فبكى شعرا:
مطر ..

مطر ..

أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعث المطر ؟

وكيف تنشج المزاريب إِذا انهمر ؟

وكيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع ؟

بلا انتهاء – كالدَّم المراق ، كالجياع ،

كالحبّ ، كالأطفال ، كالموتى – هو المطر !

ومقلتاك بي تطيفان مع المطر

وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ

سواحلَ العراق بالنجوم والمحار ،

كأنها تهمّ بالشروق

فيسحب الليل عليها من دمٍ دثارْ .

أَصيح بالخليج : " يا خليجْ

يا واهب اللؤلؤ ، والمحار ، والرّدى ! "

فيرجعُ الصّدى

كأنّه النشيجْ :

" يا خليج

يا واهب المحار والردى .. "

أكاد أسمع العراق يذْخرُ الرعودْ

ويخزن البروق في السّهول والجبالْ ،

حتى إِذا ما فضَّ عنها ختمها الرّجالْ

لم تترك الرياح من ثمودْ

في الوادِ من أثرْ .

مفارقة التحول عند فاطمة السنوسى:
تتكرر عند فاطمة السنوسى مفارقة التحول وهى تقنية تلجأ فيها الراوية الى تقمص شخصية الحبيب بطرق مختلفة ثم ترصد رد فعل الآخرين.
(وضعت قلبي على لساني
لأكون صادقة القول
ولأنك ملء القلب
تلونت بك كلماتي
فأصبحت إمرأة عذبة الحديث) فى هذا النص الساحر فاض شعورها بالحب تجاه الحبيب فوضعت قلبها على لسانها حتى تأخذ من صدقه المستقر بقلبها صدقا، فكانت النتيجة أن كلماتها تلونت به فأصبحت فى نظر الآخرين (عذبة الحديث)، انها تبحر صوب ضفافه الآمنة بإصرار ، هى تبحث عن الذوبان فيه مثلما يذوب جدول صغير يحمل ماء عذبا فى النهر. وتتكرر المسألة نفسها في نص آخر مشابه:
(وضع طپيپهآ آلسمآعة على صدرهآ .. نظرت آليه معآتپه.. إستدرگ آن قلپهآ لم يعد معهآ فوضع آلسمآعة على صدره)
في هذا النص الأخير تعلن التحول للاخرين وتلزمهم به، فهي تجبر الآخرين على رؤية الحب ، هى لاتخبئه هنا في جوف سحابة ، بل تجاهر به وتفرض على الاخرين احترامه، ان العاشقة تتحرر من الضغوط وتنتقل الى مواقع الهجوم بدلا من مواقع الدفاع. في قاعة الدرس تجاورنا
(اخذ قلمي مرة
ولم يرده..
اخذت عقله ولم ارده
على هذا الحال تخرجنا
مر الزمن.. ونسيت قلمي
غير انه ما زال يبحث عني
عله يسترد لبه المفقود)
في النص أعلاه لاتكتفى بقلب الحبيب بل تأخذ لبه معها، وأخذ هو قلمها فى المقابل، المقارنة معدومة، فالقلم اداة والعقل هو كابينة القيادة، هى المنتصرة اذن.
وفى نص آخر  تجملت بالحب وخرجت للشوارع ، فكانت النتيجة مبهرة ومدهشة:
(على الطريق العام
كنت أسير ذات يوم وأفكاري معك..
عاكسني أحد المارة ممتدحاً جمالي..
أدركت في الحال
أن الحب الذي يملؤني..
قد فاض على وجهي..) 
 النص فيه تناص مع مقطع للقاص بشرى الفاضل بعنوان (البنت التى طارت عصافيرها) يقول المقطع(خرجت من عندها ممتلئا بها حتى غازلنى الناس فى الشوارع)
 اكتمال التحول: 
فى هذا النص بلغ التحول والذوبان فى المحبوب قمته، حين باتت ترى بعيون حبيبها وقلبه( اكتمل الذوبان) 
(في وسط السوق..
شاهدت منظرا أدمى قلبي..
فرأيت حماية لقلبي أن أضعك
على عيوني.. وأنظر الدنيا من خلالك..
ما أن فعلت ذلك..
حتى رأيت شحاذاً يعترض المارة
يعطيهم ولا يأخذ منهم)
المخبوء فى هذا النص هو انها حين نظرت بعينيه رأت العالم ورديا وسابحا فى الجمال عملا بمبدأ كن جميلا ترى الوجودجميلا، فقد رأت بعينيها ما أدمى قلبها، وحين نظرت من خلال المحبوب رأت مشهدا غاية فى الروعة والجمال:
رأت شحاذا يعترض المارة ويعطيهم ولايأخذ منهم شيئا!! هل ثمة جمال فى الكون مماثل لهذا الوضع المقلوب؟
جمال الوضع المقلوب هذا معناه ان الحب يطهر القلوب ويجعل العالم مكانا جميلا. نصوص فاطمة السنوسى تبقى موسيقى حالمة وصورا رائعة من الحياة تعزف فيها قاصة متمكنة على سلالم المفارقة بذكاء وإدراك عميق لأدوات عملها مما جعل من تلك النصوص نصوصا ذات قيمة فنية عالية فهى تجسد ابداعا مميزا ومتعة لاحدود لها. والمدهش ان النصوص من حيث المضمون تعالج بإصرار أوجاع العالم الداخلى للإنسان، تعكس معاناته وجوعه للحنان وتشرده فى عالم متحجر القلب لايرحم ولايعترف بالحب والرحمة وتسود فيه القسوة والفظاظة والعنف، فتشيد الكاتبة بنصوصها عالما موازيا ، رقيقا في عبارته، حالم الإيقاع، له نزعة انسانية واضحة تتجلى فى تقديس الحب والتبشير بالمحبة وفضح كل فظاظة موجودة فى الأرض وتمجيد قيم الجمال والحرية والكرامة الإنسانية.
صلاح الدين سر الختم على
مروى
الثانى والعشرين من نوفمبر 2013