Tuesday, March 31, 2015

بنية النص القصير جدا وحوار المتضادات والمتقابلات في قصة حسن برطال أو شفرة برطال السرية...محاولة للفهم والتاويل

نص تحت مجهر النقد
بقلم /صلاح الدين سر الختم على
النص:
حوار مفتوح
قبل خروجه ذكرَتْه ب ( جوارحه ) الميتة ، فعاد من السوق ب ( صقور ) صيد حية../
حسن برطال
التحليل: نصوص حسن برطال عبارة عن معمار فنى دقيق محكم البنية وموزون بميزان الذهب،الدهشة حاضرة وشاهقة دهشة في نصوص حسن برطال الشاهقة المنحوتة بدقة مايكل انجلو والمرسومة بريشة بيكاسو والمكتوبة بايجاز واختزال تشيخوف ، تمسي قراءة النص متعة ومسرة حقيقية دوما، فما بين خروجه حاملا سيف بغيه وعودته منتصرا حاملا غنائمه تقف الدهشة فاغرة الفاه باحثة عن مغزى مخبوء بين السطور ومخالب الصقور الميتة الحية.
بتفكيك النص نلاحظ ان بنية النص قائمة على اختيارات واعية ودقيقة لكل جملة وكلمة وحرف ، وتعتمد الحوارية في النص وحركته على حوار داخلي بين متضادات مغروسة في فضاء النص بإتقان شديد ،فى الاستهلال ترد كلمة (قبل) وتقابلها في خاتمة النص كلمة(فعاد)، نحن هنا امام زمانين مختلفين( قبل الخروج) و( بعد العودة) قبلُ: نقيض بعدُ. ، التضاد هنا قائم بين زمانين ، لكل زمن ملامحه ووقائعه ووعي مختلف به، فالذى خرج ليس هو من عاد، لهذا السبب اختلف فعله الذى يعكس التغير أو التغيير الذى حدث في وعيه.
ثم يستخدم الكاتب اسلوب المقابلة : (ذكرَتْه ب)، (فعاد ب) للمقابلة بين حالين لتجسيد فعل ورد فعل مضاد، ويستخدم المتضادات مرة أخرى ليجسد الفارق بين (المأمول) (المطلوب) وبين (ما تحقق فعلا)ليرسم بذلك الهوة الواسعة بين البطل واالبطلة، فهى ذكرته ب(جوارحه الميتة)
وتبدو الإشارة الى (الجوارح الميتة)هنا إشارة الى البرود الجنسي للرجل،وهو برود عانت منه الانثى المغيبة هنا والمشار اليها بضمير الغائبة في (ذكرته) وهنا يتم استخدام ضمير الغائبة للإشارة الى تغييبها كأنثى نتيجة لبروده الجنسي،كان رد فعله هو الخروج للسوق للبحث عن حل ل (جوارحه الميتة) فعاد من تسوقه ب( صقور صيد حية) والمغزى هنا انه ادرك عجزه التام عن إشباعها فاكتفى بدور القواد وعاد لها برجال قادرين على اشباعها.الدلالة هنا هى انسداد الافق لعلاقة بلغت نفقا مظلماً.فضلا عن ذلك هناك تلاعب لفظى مقصود ومخبوء في كلمة (جوارح)فهى تحتمل معان متعددة، وجَوارِحُ الإِنسان: أَعضاؤُه وعَوامِلُ جسده كيديه ورجليه، واحدتها جارحة. لأَنهن يَجْرَحْن الخير والشر أَي يكسبنه. والجوارح من الطير والسباع والكلاب: ذواتُ الصيد لأَنها تَجْرَحُ لأَهلها أَي تَكْسِبُ لهم، الواحدة جارحة؛ فالبازي جارحة،والكلب الضاري جارحة؛ فهى كانت تقصد قدراته الشخصية ، لكنه فهم ان المطلوب اشباعها بوسطة غيره. التلاعب اللفظى هنا صنع مفارقة النص وسخريته الجارحة.
جملة (من السوق) التى قد تبدو زائدة هى مقصودة في الحقيقة، فهى احتجت على غرائزه الميتة طالبة منه فعلاً شخصيا، فاشترى لها رجالا قادرين على فعل عجز عنه هو، فازداد عجزا،كونه ظن إنها اشياء تشترى، النص عند (برطال) عزف منفرد على سلالم التضاد والمقابلة للايحاء بمغزى بعيد مخبوء ببراعة بين سطور السرد وحروفه بعناية شديدة.ما يدعو للدهشة ليس هذه القدرة الفريدة على البناء المحكم وحدها، بل ما يدعو للدهشة هو ان النص يبقي برغم الصنعة المحكمة عفويا طازجا مثل رغيف الفقراء دون التأثر بذلك النسج المحكم الدقيق.
31 مارس 2015