الكاتب زاوج بين الاقتباس المباشرلنصوص تاريخية وبين الابتداع فجاء النص هجينا بين الرواية
والتاريخ والسيرة
بناء الشخصيات تعثر بسبب التمسك بتاريخية الاحداث المروية وبالشخصيات
والوقائع كما هي
مدخل مهم: (آخر السلاطين) لها حبل سري مع (تخوم الرماد):
خاض الكاتب منصور الصويم في روايته الاخيرة (آخر السلاطين) تجربة
محفوفة بالمخاطر حين اختار مغازلة التاريخ روائيا، والمتتبع لتجربة الصويم لايندهش
لذلك الإختيار فمشروع الصويم الثقافي والفكري لم يكن بعيداً عن ذلك ففي كل رواياته
نجده مولعا بالحفر والتنقيب في تاريخ وجذور المجتمع السوداني بشكل ملفت، الجديد في
هذه الرواية هو اختيار شخصية من قلب التاريخ من اقليم دارفور بينما كانت الشخوص في
روايات سابقة شخصيات معاصرة من الزمن القريب جدا. واختيار شخصية السلطان علي دينار
لم يأت اعتباطا بل جاء اختيارا واعيا ومقصودا،فشخصية (علي دينار)تتراقص في المخيلة
السودانية كشخصية ايجابية مع صورة المحمل الذي يخرج من دارفور الي الاراضي المقدسة
حبلا سريا يربط السودان بالعروبة والاسلام من جهة، ومن جهة أخرى فإن صدام السلطان
مع الاستعمار يجعله رمزا وطنيا ومحليا باذخاً لمقاومة الظلم والاستبداد،هذه
الشخصية الايجابية لعل اختيارها جاء مقابلا للشخصية السلبية بطلة رواية الصويم
السابقة(تخوم الرماد) تلك الشخصية النكرة (بلا أسم في الرواية) و التي تلوثت
اياديها بدم بني جلدتها وأهلها وحكمت علي نفسها بالعزلة والنفي الاجتماعي وهى تمثل
اداة للقمع والتسلط، فشخصية علي دينار هي الشخصية المقابلة لتلك الشخصية السلبية
في مشروع الصويم الثقافي الانساني. ولعل جعل الشخصية السلبية شخصية مضطربة بلا
جذور في مقابل شخصية علي دينار القوية ذات الجذور الراسخة والسجل الوطنى بعلاقتها
بالمهدية والسجل الانساني والديني بعلاقتها بالاراضي المقدسة، كل هذا لم يأت بمحض
الصدفة أو خبط عشواء، بل هي اختيارات واعية للكاتب لاتخفي علي أحد ولها دلالاتها
الفكرية العميقة.الحقيقة انه قصد الكاتب أم لم يقصد فإن ثمة حبل سري يربط بين
روايته ( تخوم الرماد) وروايته الحالية( آخر السلاطين)، وذلك الحبل لا يقف عند حد
التضاد بين الشخصيتين الرئيستين وماتمثله كل واحدة، بل يتعدي ذلك الي كون كل رواية
تؤرخ لفصل مختلف من فصول تاريخ اقليم درافور
والصراعات علي مسرحه في زمانين مختلفين. وبهذا الفهم ليس من العسير ادراك بقية
القواسم المشتركة وإدراك حقيقة وجوهر مشروع الكاتب الثقافي الذي يتكئ علي التاريخ
.الروايةتقع في حوالي مائتي صفحة من القطع الصغير المتوسط، وهى صادرة عن دار اوراق
للنشر والتوزيع بالقاهرةفي يونيو 2014.
المصدر المباشر للرواية:
لم يشر الكاتب بصورة مباشرة او غير مباشرة للمصدر الذي استقي منه مادة
الرواية، وليس ذلك مطلوبا منه، لكننا نستطيع القول بثقة ويقين تامين أننا توصلنا بجهدنا الخاص الي المصدر المباشر الذي استقيت
منه وقائع الرواية الجوهرية ومعظم شخوصها وهذا المصدر هو مؤلف قديم يحمل اسم (فتح
دارفور ونبذة من تاريخ سلطانه علي دينار)
مؤلفه ضابط مصري يدعي البكباشي (حسن قنديل)شارك في الحملة ضد علي دينار
ودون وقائعها في شكل يوميات. وقد صدر الكتاب في العام 1937علي نفقة الامير عمر
طوسون وطبع بالاسكندرية بمطبعة العدل.ومن خلال الإطلاع علي الكتاب والرواية
بالتفصيل نقرر بيقين انه المصدر المباشر الذي اعتمده الكاتب في كتابة الروايةوهناك
شواهد عديدة علي ذلك نلخصها باختصار فيما يلي:
1/ وحدة موضوع المصدر المباشركتاب( فتح دارفور) والرواية وهو تسجيل
وقائع الايام الاخيرة للسلطان علي دينار.فهذه الوحدة ليست صدفة.
2/ ورود اسماء كثيرة لمواقع واماكن
واشخاص وردت بالكتاب(فتح دارفور )ثم وردت بالرواية.ابتداء من اسم المؤلف
نفسه فقد ورد بالرواية ص 165 ( قال له البكباشي حسن قنديل وهو ينحني علي مرقده
بالعنقريب) والحديث هنا عن قائد من قواد جيش السلطان علي دينار يدعي الاميرالخليل
ود اكرومة وقد وردت الاشارة اليه باسمه هذا
وهذه الواقعة في كتاب (فتح دارفور) بواسطة مؤلفه البكباشي حسن قنديل الذي
ابدي اعجابه بشجاعة الامير الاسير. وليس للأمر
تفسير سوي ان الكتاب هو مصدر الرواية الرئيس خصوصا انه الأقدم بلا جدال.
3/ترد في الرواية شخصية ضابط مصري يدعي عبد الموجود هرب من جيش العدو
وانضم الي جيش السلطان قبل المعركة الفاصلة بسبب اساءة ضابط انجليزي اليه، وهذه
الشخصية باسمها وسيرتها ماخوذة كما هي من كتاب فتح دارفور.
4/ ورد في الرواية مسمي( بنات المطر) واطلقه المؤلف علي شخصية الفتاة
هادية التي احبها القائد سيف البرتاوي وهي ابنة قائد كبير تقيم في قصر السلطان،
وقد اورد الضابط حسن قنديل في ( فتح دارفور) ضمن وصفه لحاشية السلطان مصطلح ( بنات
المطر) وشرحه في الهامش بان السلطان كان يجمع البنات الجميلات في المملكة في قصره
سواء كن بنات قواد او من عامة الشعب ويضعهن في جناح من قصره ويعشن حياة مترفة
ويتزين ويتطيبن ويكن تحت تصرف السلطان ويسمين بنات المطر.( وكان ايراد ذلك ضمن
الحديث عن مساوئ السلطان من وجهةنظر مؤلف الكتاب) وهو قول لم يرد في مصدر آخر
ولعله جزء من الحرب النفسية للعدو.
اشكالات منهجية في كتابة رواية (اخر السلاطين):
تقوم الدراسة في احد وجوهها علي فرضية وجود خلل منهجي في تقنية كتابة
رواية الصويم (آخر السلاطين)، وهذا الخلل نسعي الي ابرازه من داخل الرواية من جهة
وبوضع الإطار النظري للمنهجية من جهة اخري،استنادا علي معارفنا النقدية وعلي دراسة
سابقة لمنهجية كتابة الرواية المستندة علي
وقائع التاريخ وهى دراستنا لتجربة الكاتب الكبير امير تاج السر* فإن منهجية كتابة
الرواية المستمدة من وقائع التاريخ او السيرة تقوم علي إنجاز اربع عمليات متلازمة
ومتداخلة بالترتيب التالي:
1/ عملية الإنتقاء: المقصود عملية اختيار الشخصية أو
الموضوع من التاريخ او السيرة، وعملية جمع المادة الخام عن الشخصية أو الموضوع من
مصادر تاريخية صحيحةومن السيرة الشعبية المتعلقة بها.هذه العملية يلعب فيها العنصر
الذاتي دورا مهما ، فخبرات الكاتب لشخصية واهتمامته وخلفيته الفكرية والثقافية هي
التي تحدد معايير الانتقاء وترجيح هذا او
ذاك من الشخصيات او الموضوعات .
2/ عملية الحذف: تقتضي منهجية كتابة الرواية المعتمدة
علي وقائع التاريخ بطبيعتها تدخل الكاتب( كونها عملية إبداعية وليست نقلا
فوتغرافيا لمشهد ثابت في الزمان والمكان) فكتابة الرواية تقتضي قيام الكاتب
بالتدخل في المادة الخام وتشذيبها واستبعاد الوقائع التي ليست لها وظيفة ودور في
نصه الروائي المستخلص من وقائع التاريخ أو السيرة، فالرواية ليست اقتباسا للنص
التاريخي كما هو، بل هي اعادة تشكيل له ، تماما كما يفعل الصائغ بالذهب الخام وكما
يفعل القصاص بمشهد صغير مستلف من الحياة فهو لايستعيده كما هو بل يعيد تشكيله
وصياغته بما يحقق هدفه النهائي من عملية الكتابة.
3/ عملية الإضافة: وهناك عملية ثالثة متلازمة مع الأولي
والثانية وهي عملية إضافة وقائع متخيلة للنص الأصلي ، فالرواية ابداع وإبتداع
وليست نقلا اعمي للنص التاريخي اوالسيرة،فبدون تدخل المبدع الخلاق في النص بالحذف
والاضافة لا نكون امام نص إبداعي .
4/ عملية التحوير: عملية التحوير للنص الاصلي هى عملية
جوهرية لتحرير النص من قيود كتابة التاريخ وجعله يحلق بحرية في فضاء المتخيل
الروائي،وعملية التحوير هى عملية الخلق الابداعي وتحويل العجينة المستمدة من النص
الأصلي الى منتج جديد مختلف عن الأصل وفيه بصمة الكاتب الخاصة وروحه الخلاقة. وهى
مكملة للعمليات الثلاث السابقة لها( الانتقاء والحذف والإضافة) وهي النتيجة
والغاية النهائية التي ينجم عن تحققها ميلاد النص الروائى من رحم التاريخ أو
السيرة. وينجم عن تعثرها وعدم تحققها تعثر تلك الولادة وبقاء النص التاريخي كما هو
دون تحول ألي منتج ابداعي مختلف . عملية التحوير هي ضرورة فنية ، فعمليتا الحذف
والإضافة لاتتحققا للكاتب إلا إذا خضعت الشخصية التاريخية المنتقاة او الموضوع
لعملية تحوير تهدف لطمس معالمها الحقيقية وتحريرها من القيود المفروضة علي كتابة
التاريخ والسيرة وأبرز تلك القيود ضرورة إلتزام المؤرخ بالحقيقة وعدم المساس
بوقائع التاريخ وضرورة حشد المراجع والمصادر الصحيحة المؤيدة لكل معلومة يوردها في
كتابته للتاريخ وبدرجة اقل في كتابة السيرة.فالتاريخ يُروى مثل الرواية لكنه ليس
برواية بمفهومها الفني،يقوم الروائى باعادة انتاج التاريخ مستعينا بموهبته وقدراته
الابداعية، فالشخصية او الواقعة التاريخية تكف عن أن تكون تاريخا عند دخولها في
الرواية ولابد من إخضاعها لعملية تحوير وتشذيب وإعادة صياغة لها من جديد بغية
توظيفها فنيا لخدمة رسالة الرواية، ويتصرف الكاتب في الشخصية او الواقعة بحرية
تامة خلافا للقيود المفروضة على المؤرخ الذي يتعرض للإتهام بتزوير التاريخ إن خالف
حقائقه الثابتة او تدخل فيها.أما الروائى فإنه لايكتب تاريخا ، بل يكتب رواية هى
بطبيعتها نسيج هجين فيه مزج بين الواقع والخيال، وليس لحرية خياله حدود تحدها إلا
الضرورة الفنية للنص. وحتى يحصل علي تلك الحرية كاملة غير منقوصة يتعين على الكاتب
حين يقارب شخوص التاريخ ووقائعه ان يحرر نفسه من قيوده بالتأكيد المبكر علي هوية
مايكتبه بعدة سبل وطرائق، وفي رواية الصويم موضوع الدراسة نجد الأمر ملتبس منذ
الوهلة الأولي ، فبينما كتب المؤلف علي الغلاف الخارجي(آخر السلاطين) رواية. وهذا
تأكيد علي ان النص رواية، نجد الغلاف الداخلي وجميع صفحات الرواية تحمل عنوانا
وتوصيفا آخراً:(آخر السلاطين"حروب السلطان علي دينار على تخوم مدافن السلاطين".)
فالإضافة ( حروب السلطان علي دينار...) تأكيد علي ان المكتوب تاريخ أو سيرة وليس
رواية!! وهنا إرباك وارتباك واضح لايقلل منه إيراد كلمة رواية أعلى الغلاف
الداخلي.لاشك إذاً إن عتبات النص جاءت حاملة لإشكاليات منهجية واضحة خلقت التباسا بيناً بشان هوية النص
المُبدع. وقد رافق ذلك الالتباس النص بأكمله فمجرد بروز السلطان علي دينار وبعض
قواده ورجال سلطته باسمائهم وشخوصهم الحقيقية في النص وورود اسماء المواقع
والأمكنة كما هي في الواقع عمق ذلك اللبس والالتباس حول هوية النص المكتوب هل هو
تاريخ مجموع و سيرة ام رواية من بنات
الخيال ؟!
لقد اجتهد الصويم وجمع مادة اولية جيدة ونادرةحول شخصية تاريخية مهمة
ومثيرة للجدل هي شخصية علي دينار ،وتحصل علي سفرتاريخي قيم ونادر متعلق بالايام
الاخيرة في حياة الشخصية حسبما هي مدونة من وجهة نظر احد ضباط العدو الذي شارك في
الحملة ضد السلطان، ومن المؤكد انه جمع معلومات أخرى من مصادر تاريخية اخري ، وقد
باشر الكاتب عملية الحذف والإضافة ،حيث استغني عن اجزاء مما وورد بالمصدر المباشر
(كتاب فتح دارفور) فقد استغني عن كل واقعة سلبية نسبها المؤلف للسلطان، وأضاف من
خياله شخصيات مثل شخصية الفارس سيف البرتاوي وقصة حبه الرومانسية، وكذلك شخصية
كشافي السلطان:(جبريل الطاهر ) و (حسين القرعاني). لكن الكاتب تعثر في المرحلة
الحاسمة في منهجية تحويل النص التاريخي
الي نص روائى وهي مرحلة ( التحوير)،فقد اختار الكاتب نقل تاريخ السلطان علي دينار كما هو_ شانه شان
المؤرخ _ واختار ايراد السلطان بشحمه
ولحمه كما هو في الرواية دون تحوير الشخصية روائيا، وكان نتاج ذلك الاختيار وذلك
التعثر ان الكاتب وجد نفسه محاصرا بوجوب اتباع منهجية المؤرخ لا الروائي في بناء
شخصية السلطان علي دينار،فاي محاولة لاعمال الخيال في شخصية علي دينار باتت أمراً غير
مقبول وغير متاح بموجب الحضور التاريخي للاسم ،فجاء بناء الشخصية في الرواية خارجا
عن سيطرة المؤلف خاضعا لحكم وحدود رواة التاريخ وكتابه المنحازين للسلطان، ولم
يسمح هذا الاختيار للكاتب بالتوسع في
تناول الشخصية في الرواية، فجاء اقترابه منها اقترابا خجولاً، وجاء تصويره
للشخصية تصويرا فوتغرافياً خارجياً من علي البعد ، عامرا بتقديس المؤرخ المحب للشخصية
ومفتقدا لموضوعية السرد المطلوبة في الرواية، فجاء كل شئ عن السلطان في الرواية
وصفا خارجيا مستقي من المصدرالتاريخي المباشر وليس بناءا فنياً للمؤلف، لذلك لم
تكن الشخصية شخصية فاعلة في الرواية كما كانت في حلبة التاريخ، بل جاءت شخصية
سلبية مفعول بها وهي تقف جامدة تنتظر مصيرها المحتوم الذي رسمه العدو القادم من
خارج الحدود، وهذا الرسم للشخصية هو نفس الحدود والتصورللشخصية الذين رسمهما
الضابط المصرى مؤلف كتاب (فتح دارفور)للسلطان في مخيلته.فالضابط
كان يروى الاحداث ابتداء من صدور قرار تجريد الحملة ضد السلطان في نسق تصاعدي حتى
مقتل السلطان في جبل مرة بعد هروبه من الفاشر بعد هزيمة جيشه وسقوطها في يد العدو.
بالنسبة لهذا الضابط المصرى حسن قنديل كان السلطان (على دينار) مجرد هدف عسكرى يجب
تدميره. فجاء السرد في الرواية بذات
النسق ومن ذات موقع السارد في نص( فتح
دارفور)، كان السلطان في الرواية يتحرك في الحدود نفسها، لذلك جاء النص (آخر
السلاطين) اقرب للسيرة منه الي الرواية، واقرب للتأريخ منه الي الرواية، فقد تم
نقل النص التاريخي كما هو، أو فلنقل إن شئنا الدقة تم إيراده مع اضافات يسيرة لم تمسه،لقد قيد
الصويم خياله الفسيح بحدود النص التاريخي وشخصية علي دينار المرسومة في التاريخ
والعقل الجمعي واختار بذلك قص اجنحة خياله . فحضور الشخصية بثقلها التاريخي كبل خيال المؤلف وقدراته في الابتداع وباتت
الكتابة عبارة عن سير في حقل الغام . ولنفهم معاناة الكاتب نشير الي ان (امير تاج
السر) لم يعانى مع شخصية السلطان تيراب في رواية(مهر الصياح) لانه اختار تحويرها
الي شخصية خيالية تدعي (السلطان رغد
الرشيد)تنتمي الي سلطنة خيالية تسمي سلطنة انسابة، فاطلق لخياله العنان مختارا كتابة
رواية تتكئ علي تاريخ وليس كتابة التاريخ نفسه. ونفس الشئ فعله ( حمور زيادة) في
روايته(شوق الدرويش) فقد اختار بوضوح كتابة رواية وحررها من ثقل وقيود الحضور
المباشرلشخصيات تاريخية ولجا الي تحوير النص التاريخي ليحرر حياله من القيود.
لذلك اميل الي تصنيف نص( آخر السلاطين) ضمن كتب السيرة وليس الرواية،
وهي تجربة مبهرة في كتابة السيرة حيث اعتاد الناس ان تكون السيرة سيرة متعلقة بشخص
كاتبها ، الي حد ان تعريف معظم النقاد للسيرة يحصرها في تلك الحدود، بينما توجد
نماذج كثيرة لكتابات سيرة تناولت سير مشاهير ومدن ولم تتناول سيرة الكاتب الشخصية،
لقد نفض الصويم الغبار عن شخصية علي دينار
واعاد وضعه في دائرة الضوء بنص يكشف عورة مدوني التاريخ الرسمي للسودان الذين
اغفلوا هذا الفصل المهم في تاريخ السودان ودونوا تاريخ شخصيات ووقائع اقل شأناً.
ولقد عمد الصويم الي تخليص تلك السيرة من تخرصات الاعداء وحروبهم النفسية علي
السلطان ومعسكره ولم تفلت من تدقيقه الا حكاية بنات المطر التي قصد بها تشويه صورة
السلطان.اسلوب عرض السيرة زاوج بين الحقائق الجامدة والسرد الممتع الذي يشد القارئ
ويبقي اهتمامه قائما حتي آخر سطر، واستخدم الكاتب بعض الوقائع المنسوجة من الخيال
ليشد بها اجزاء السيرة ويكسبها التشويق والحبكة المتقنةونجح في زرع شخصيات ووقائع
من بنات خياله في فضاء النص دون مساس بالنص الأصلي. ويبقي اتجاه كتاب الرواية في
السودان نحو دهاليز التاريخ للتنقيب فيها عن موضوعات تخدم همومهم المعاصرة اتجاها
محمودا له دلالات كثيرة ، ابرز تلك الدلالات هي ان كتابة الرواية ليست عملا سهلا ً
وليست تجميعا وحشدا للوقائع بلا هدف ولاموهبة ولاشروط انتاج، بل هي عمل خلاق وجهد دؤوب وفكر وقاد. تحية للمبدع منصور
الصويم وهو يحتل في كل يوم جديد بجهده
واجتهاده مكانة مرموقة في خارطة الادب السوداني.
هذه الدراسة تنطلق من فرضية اساسية مفادها أن الراوية عموما ً
والرواية العربية خصوصا ً تتماهى مع التاريخ وتتمثله وتكتبه شاءت ذلك أم لم تشأ
لأن كتابة الراوية هى صيغة أخرى من صيغ كتابة التاريخ من حيث هو قراءة مستفيضة
للعلاقة بين ما كان وما هو كائن وما سيكون . هذه الجدلية الحوارية بين
الأزمنة الثلاث ( الماضى الحاضر / المستقبل ) هى بؤرة اهتمام التاريخ
والمؤرخ الموضوعى الأمين وهى فى الوقت نفسه بؤرة اهتمام الروائى والرواية . قد
أختلف منهج وأسلوب العرض فى التاريخ عن الرواية وفي الرواية عن كتابة التأريخ فقد
تسقط الرواية كثيرا ً من القواعد المقدسة والقوالب الأكاديمية الصارمة و الجامدة فى كتابة التاريخ وتسعي الي إخراج
التاريخ من جمود المتاحف وغبار المواقع الأثرية وجمود الحجارة إلى ضجيج الحياة
والمشاهد اليومية الحية والأشخاص العاديين الذين لا تذكرهم كتب التاريخ الرسمى
بكلمة ولا تراهم إلا أدوات فى يد القادة والملوك وقادة الثوار الذين يخلدهم
التاريخ. إذا الروائى و المؤرخ ينظران الى التاريخ من زاويتين مختلفتين ،
المؤرخ ينظر نحو الماضى بهدف كشف الحقيقة ، والروائى ينظر نحو الماضى بهدف تحقيق
التواصل الانسانى ، الروائى ينظر بإحساسه الفنى الى التاريخ على انه المادة التى
يستطيع عبرها تصوير رؤيته للواقع ، والتعبير عن تجربة من تجاربه ، وهو بذلك لا يكتب
التاريخ ، بل يقيم معالم له ويحاول خلقه من جديد على وفق رؤيته ، بمعنى اخر (ان
المؤرخ يسجل بينما الروائى (يخلق) وفقا لذلك تكو ن الرواية عملا فنيا يتخذ من
التاريخ مادة له ، ولكنه لا ينقل التاريخ بحرفيته بقدر ما يصور رؤية الفنان للواقع
من خلاله ، للتعبير عن تجربة من تجاربه ، او موقف من مواقف الفنان تجاه مجتمعه)
صلاح الدين سر الختم على
مروى/ 10 اكتوبر 2015
المراجع/
1/منصور الصويم/ آخر السلاطين/ رواية/ دار اوراق للنشر والتوزيع
بالقاهرة.
2/ منصور الصويم ( تخوم الرماد) رواية.
3/ فتح دارفور ونبذة عن سلطانه علي دينار/ البكباشي حسن قنديل/ مطبعة العدل
بالاسكندرية 1937.
4/ الينابيع السحرية ومسرات الخيال/ صلاح الدين سرالختم علي/لمحات من
روايات امير تاج السر. منشورات ضفاف ودار الامان ومنشورت الاختلاف
5/ مهر الصياح / رواية/ امير تاج السر.
6/شوق الدرويش رواية/ حمور زيادة. دار العين .
7/ الرواية العربية والتاريخ / دراسة غير منشورة للكاتب.

