Sunday, April 6, 2014

الكُتّاب ولحظة كتابة القصة القصيرة جدا / صلاح الدين سر الختم على


قمت بطرح سؤال على كتاب القصة القصيرة جداً بالمغرب الشقيق حول العنصر الذى يعتبر مركز اهتمام الكتاب فى لحظة كتابة النص القصصى القصير جدا بم يكون الكاتب مهتما أكثر:هل يهتم
1/بالمغزى( الفكرة).. أم ب: 2/ البناء الفنى (الالتزام بالنوع الأدبى / اللغة/الحبكة/ العنوان/ الخاتمة/ التكثيف/ المفارقة.) أم ب:3/ رد الفعل لدى القراء.أم ب: 4/ بكل ماتقدم. أم ب:5/ التعبير عن نفسك فقط.  وكانت النتيجة كما يلى:
أجاب سبعة من الكتاب أنهم يهتمون بالمغزى.
وأجاب ستة من الكتاب بأنهم يهتمون بالبناء الفنى بكل عناصره من لغة ومفارقة وتكثيف وحبكة وعنوان وخاتمة.
وأجاب خمسة من الكتاب بأنهم يهتمون بكل ماتقدم.
واسقط جميع الكتاب خيار التفكير فى رد فعل القارئ والخيار القائل بان الكاتب يهتم فقط بالتعبير عن نفسه.
أردت من خلال الاستبيان إثبات مقولة نقدية مهمة تقول أن الكاتب هو الناقد الأول فى علاقته بنصه، وأردت تبادلا للتجارب والخبرات بين الكتاب حول لحظة جوهرية فى عملية الإبداع  الكتابى عموما وكتابة القصة القصيرة جدا بشكل خاص،فتركيز الكاتب وأولوياته فى هذه اللحظة هو ما يمنح إنتاجه بصمته المميزة ويخرجه فى ثوب قشيب،وأردت ثالثا التأكيد على أن العملية الإبداعية عملية واعية وليست خبط عشواء وهو الأمر الذى بينته نتيجة الاستبيان، فجميع المشاركين وهم ثمانية عشر مبدعا بينوا من خلال اختياراتهم أنهم يدركون جيدا مايفعلون ويمارسون نشاطهم الإبداعى وفقا لوعى متقدم بطبيعته ووفقا لخيارات واعية وأولويات سليمة، فليس منهم من يكتب فقط للتعبير عن نفسه، بل يكتبون جميعا وفقا لشروط وقوانين النوع الأدبى الذى اختاروا كتابته، لذلك كانت اختياراتهم جميعا منصبة على التركيز على المغزى وعلى البناء الفنى بعناصره المختلفة من لغة ومفارقة وتكثيف وعنوان ملائم وخاتمة تخدم المغزى.والإختيار نفسه يتضمن موقفا نقديا، فعندما يختار الكاتب أولوياته فى لحظة الكتابة فهو يمارس فى الحقيقة نشاطا نقدياً واعياً فى علاقته بنصه، فهو يعرف طبيعة النوع الأدبى الذى يكتبه وشروطه، فيكون تركيزه في لحظة الكتابة منصباً على إخراج نص مستجيب ومتوافق مع شروط القص القصير جداً وهو يدرك أن اللغة هى عجينته الطرية التى تعينه على تشكيل نصه وإخراج لوحته الفنية ، لذلك يهتم باللغة اهتماماً لائقاً، وهو يدرك حدود ذلك الاهتمام فليس فى الأمر تقديس للغة أو تحنيط لها، فلغة القص لغة خاصة يجب أن تتوافق مع محمولها وما تعبر عنه، دون أن تهبط من عليائها الى الحضيض ودون أن تدخل أزقة القرن العشرين وشققه وسكانها فى مضارب بدو الجاهلية وشعراء المعلقات،يدرك الكاتب الفارق بين سلامة اللغة وتحنيطها جيدا.تظل الخيارات الجوهرية لمبدعى القصة القصيرة جدا هى خيارات تتعلق بالدرجة الأولى بالشكل والمضمون، فالمغزى هو جوهر النص القصصى القصير جدا، وهو رسالته المخبوءة بين ثنايا الحكاية بمهارة وبراعة تجعل من قراءة القصة القصيرة جدا متعة لاتدانيها متعة إلا متعة كتابتها نفسها،لذلك يهتم مبدعو هذا النوع الأدبى الحديث بالقالب الفنى الذى تخرج به القصة القصيرة جدا، وهذا القالب فى الحقيقة يتكون من مجموعةمن العناصر التى لايمكن الاستغناء عن أى منها عند الشروع فى الكتابة وتفصيلها مايلى:
1/ اللغة:المقصود هنا الثوب الذى يرتديه النص ويرفل به ويجذب به الأنظار ومن ثم العقول. وهذا الثوب لو جاء مبالغاً فيه كان منفراً، ولو جاء رخيصاً ممزقاً ومهلهلا كان منفراً، وخير الأمور الوسط، وخير اللغة فى القص القصير جدا هو ما قلت فيه الأخطاء بكل أنواعها، لأن الأخطاء تشتت الانتباه وتضعف النص وتهزم المغزى. والتأنق الزائد مضر باللغة مثل الأخطاء، الأولوية يجب أن تكون للحكاية والمغزى وسلاسة السرد.
2/ الاهتمام بعناصر البناء الفنى الأخرى ، فالتكثيف أولوية مهمة جدا، وعلى الكاتب تشذيب النص كأنه بستانى يشذب حديقته ويخلصها من الزوائد والحشائش الضارة . والمفارقة هى التى تعطى النص الحيوية وتحركه وتجعل الصراع فيه ناميا وجاذبا لفضول القارئ وانتباهه.والخاتمة المتوهجة هى الضوء الذى يسطع فيجعل كل جنبات النص المظلمة تتوهج ويجعل الكلمات تتأنق وتتلالأ وتبوح بمعان جديدة لم تبح بها قبل بلوغ القارئ الخاتمة. الخاتمة هى روح النص ووهجه الداخلى وهى صانعة المتعة فيه.العنوان من عتبات النص المهمة، ويجب أن يكون العنوان جزءا من لعبة النص ولغزه الغامض، إن باح العنوان بالمغزى وشرح النص قتله وجعله ورداً لارائحة فيه. لذلك يفضل ان يختار الكاتب العنوان بعد الفراغ من كتابة النص، فيختار عنوانا يلمح ولا يصرح ، عنواناً مثيراً للأسئلة وليس إجابة لها.
يعرف كتاب القصة القصيرة جدا دون غيرهم أنها تتشكل فى مخيلة الكاتب وذهنه فى أغلب الأحوال ، ثم يهرع للإمساك بها قبل أن تعود إلى المجهول الذى جاءت منه،القصة القصيرة جدا لحظة هاربة وتوهج قصيرجدا، إن فوت الكاتب لحظة توهجه هذه  فهى لن تعود، وإن عادت عادت بصيد جديد ولكنها لن تعود بما مضى، لهذا السبب فإن الكتاب يعرفون جيدا قيمة هذه اللحظة المتشظية .وبالمناسبة لهذه اللحظة أدواتها ومفاتيح أسرارها القادرة على استنطاقها فإن ضاعت تلك الأدوات أو فقدت ، ضاعت اللحظة هباءً منثوراً. ويجب الاعتراف بأن بعض النصوص تأتى من المجهول ، كالأحلام كاملة لاتقبل الجدال فيخرجها الكاتب من مخيلته كما هى ، ويخاف من لمسها أو التدخل فيها، وهذا سحر خاص يعرفه فقط من يعيشون هذا المخاض الجميل.
صلاح الدين سر الختم على
الخرطوم

6 ابريل 2014

No comments:

Post a Comment