التعريف بالكاتب:
علي ادريس علي.. مواليد مدينة بورتسودان بشرق السودان1972..المراحل التعليمية كلها بمدينة بورتسودان..ثم التحق بالكلية الحربية 1992.
يقول عن نفسه:(لاحظت ميولي للكتابة منذ طفولتي..حيث كان لي دفتر ادون عليه مايجيش بخاطري..أفرغ فيه أحزان النفس وأفراحها..عشت بعض التناقض الغريب فى حياتي الاولى..فقد كنت احب الادب واللغة العربية رغم تميزي فى المواد العلمية حيث كنت اول دفعتي..ثم اخترت الجيش امتدادا لهذا التناقض الجميل.. كتبت الشعر والقصة القصيرة جدا منذ التسعينات..قبل أن أقرأ عنهاواعرف تصنيفها وشروطها...حيث نشرت لي اول قصة ق ج فى مجلة الملتقى 1991..بعنوان الوصية تتحدث عن الانتفاضة الفلسطينية.. فى العام 2008 حظيت بمساحة ثابتة فى جريدة حكايات بالتناوب مع الرائدة فاطمة السنوسي..ثم نشرت بعض قصصي فى كثير من الملفات الثقافية بالصحف السودانية. أرى فى الق ق ج فنا جميلا وصعبا..يستطيع فيه الكاتب اقتناص لخظة غير مرئية للناس ليشحنها بفكرته ورأيه.اكتب الشعر احيانا..أشعر أن بداخلي رواية ستهز الدنيا ولكني أجهل اسمها وموضوعها.مازلت فى القوات المسلحة.ورتبتي مقدم ركن.)
لوحةعن الكاتب:كتاباته مثل المشي في حقل الألغام، كتابات دائمة الإنفجار، دائمة التوهج، مهما بدت ساكنة هادئة فهو هدوء يسبق العاصفة دوما، هدوء لايمكن التنبوء بما يعقبه من زوابع وعواصف وأعاصير.
على إدريس مداوم على الكتابة بشكل دائم فى المجموعة منذ التأسيس، له بصمة مميزة جدا، فالسمة الغالبة لنصوصه هى الحزن والإيقاع التأملى والنفس الصوفى والتمرد الدائم على المألوف والبحث عما هو غير عادى خلف كل حدث عادى، لذلك تبدو نصوصه غامض بعض الشئ أحيانا، وتبدو ذات لمسة خاصة فى كتابة القصة القصيرة جدا فى أغلب الأحيان بحيث يمكن القول أنه يكتب القصة القصيرة جدا بطريقته الخاصة. وقد نشأ الكاتب فى مدينة ساحلية مترفة في بئية شعبية فى حى فقير، لعل هذا التناقض بين ترف المدينة وفقر حواريها حيث عاش الطفل على ادريس قد انعكس فى ادبه فى تلك المقارنات الدائمة والصراعات بين الفقر والغنى والبساطة والزيف والأصالة والإستلاب. وطبع فقده المبكر لشقيقته ولاحقا أمه كتاباته بخلفية حزينة لاتخطئها العين.
فى نصه(إنقاص) شئ من ذلك :
محدقا فى (صورة) العائلة
السعيدة، إبتسم
قفز أحدهم خارج إطار الصورة
قطع عليه إبتسامته.
الحزن هو سمةهذا المشهد، رجل وحيد يتأمل فى صورة عائلته التى يبدو أن عقدها قد انفرط بالموت، ولم يبق منها سوى الصورة على الجدار ومن يحدق بها، الابتسامة لم تدم طويلا، فقد قطعها قفز أحدهم خارج إطارالصورة( الإشارة هنا للموت هادم المسرات). يبدوالنص معطونا فى الشجن وتلك سمةغالبةفى نصوص على إدريس( الحزن الكامن فى الأعماق كمون الحمى فى جسدعليل).ولهذا السبب تبدو النهايةدون المستوى المطلوب فى القصةالقصيرةجدا،فهى ليست نهايةمتوهجةصاخبة، بل هى نهاية تأملية هادئة تتناسب مع الإيقاع الحزين للقصة.
محدقا فى (صورة) العائلة
السعيدة، إبتسم
قفز أحدهم خارج إطار الصورة
قطع عليه إبتسامته.
الحزن هو سمةهذا المشهد، رجل وحيد يتأمل فى صورة عائلته التى يبدو أن عقدها قد انفرط بالموت، ولم يبق منها سوى الصورة على الجدار ومن يحدق بها، الابتسامة لم تدم طويلا، فقد قطعها قفز أحدهم خارج إطارالصورة( الإشارة هنا للموت هادم المسرات). يبدوالنص معطونا فى الشجن وتلك سمةغالبةفى نصوص على إدريس( الحزن الكامن فى الأعماق كمون الحمى فى جسدعليل).ولهذا السبب تبدو النهايةدون المستوى المطلوب فى القصةالقصيرةجدا،فهى ليست نهايةمتوهجةصاخبة، بل هى نهاية تأملية هادئة تتناسب مع الإيقاع الحزين للقصة.
فى نصه(صالة) يلامس الكاتب موضوع المال والعاطفة التى لاتشترى بمال عبر حوار بين الإبن والأم:
انهد قصري ، قالت أمي :
هيا أحصي إخوانك.
التحليل: فقد الرجل ثروته ممثلةفى قصره، ذكرته أمه بثروته الحقيقية( إخوته). وهنا مقابلة بين المال كقيمةمادية والأخوة كقيمةروحيةومعنوية غير قابلة للضياع والتلف، ومن خلال هذه المقابلةتحدث الحيويةفى النص وتمنحه بديلا عن النهاية الصاخبة لايقل توهجا هو كلمات الأم الثلاث.
فى نصه الموسوم ب(غربة)ملمح آخر يرصده بدقة:
الجوهرة التى خرجت من بين
الأحجار صاحت:
من يشتريني ؟
قالوا : وما الثمن؟
قالت :أن يرى توهجي.
التحليل :
الجوهرةشعرت بالغربة والمهانةوهى مطمورة بين الحجارة فصرخت مستنجدة تبحث عمن يحررها من الأسروالمهانة، فكانت النتيجةمزيدا من الاذلال حيث تمت مساومتها على ثمن الحرية فعرضت وهجهاثمنا لحريتها، علما بانها عرضت مجرد رؤية الوهج كثمن، الإشارةهنا للحرية فمن يرد نيلها عليه دفع الثمن لمجرد رؤية وهجها، الجوهرةهى الحرية السليبة.لذلك كان شعورها بالغربة لوجودها بين الحجارة، والحجارةهنا رمزللسجن وتقييد الحرية. هونص مبهر جميل فى رمزيته الموحية وعنوانه الملتبس عمدا. نلاحظ أن الخاتمة على غير المعتاد ليست حدثا صاخبا مفاجئا، بل هى إجابة تحمل فى ثناياها مايثير الأسئلة.
فى نصه(حرمان) يرصد مشهدا غريبا ويقدمه عاريا:
أخذتها بين يديها،ثم جالت ببصرها بحثا
عمن تسأله:هل سيعجب طفلي بهذه
(الدمية)؟..
لم تجد سوى بائع الدمي.
النص هنا نص ساخر وساحر، المرأة المحرومة من الأطفال ،أخذت دمية بين يديها لتشبع جوعها الى الأطفال، ثم أرادت أن تبرر حملها للدمية بسؤال ليس مقصودا فى حد ذاته ، فالغرض منه التمويه، فالأم تعرف جيدا مايعجب طفلها ، ولكنها لاتملك طفلا لذا تسأل سؤالها ولاتجد مجيباً سوى بائع الدمى نفسه. بدت الخاتمة مقحمة وغير ضرورية، فالسؤال يبقي كافيا، وليست هناك حاجة لبقية النص( لم تجد سوى بائع الدمى). العنوان شارح للنص وهذا عيب كبير.
فى نصه الموسوم(تطوع) يقدم مشهدا يبدو أقرب الي الكاركتير:
(أحدهم) تصدى للحجر الذى رمتني
به السماء..
ثم..
قذفه نحوي.
التحليل:
النص مراوغ ومخادع فى تصويره للسلوك البشري المتعجل ، فالراوي يتحدث عن شخص سابق القدر المتربص به، التقط حجر القدر قبل ان يصيب الراوى وقذفه نحوه ، فتحمل بذلك وزرا ما كان ليتحمله لو لاذ بقليل من الصبر. مثله مثل القاتل يعلم أن لكل نفس أجل محتوم ومع ذلك لايتروي ويسدد طعنته القاتلة ليبوء بوزر القتل. نلاحظ هنا وجود النهاية الصادمة المفاجئة حتى أن القارئ يحاول تفادى الحجر المقذوف.
في قصته(تقزيم) يقدم مشهدا كاملا:
سقطت(جوهرة) من كتابهم المقدس،مشت
فى الأسواق.
طاردوها.
قبضوا عليها.
أدخلوها الى دار عبادتهم.
ثم غلقوا الأبواب.
التحليل: النص يصور التزمت الدينى فى أعمق صوره،المفردات غنية بالدلالات( سقطت/ جوهرة/ كتابهم المقدس/ مشت فى الأسواق/ طاردوها/ قبضوا عليها /غلقوا عليها الأبواب)
فالسقوط اذا كان سقوط شئ عادى يقلل من قيمة الشئ ولكن حين يكون سقوط (جوهرة من كتاب مقدس) فهو لايغير شئيا فى قيمتها، فهى جوهرة مقدسة أينما كانت،وهى سامقة سواء كانت فى الأرض أو السماء،فالسقوط هنا تواضع واقتراب من البسطاء ومن تواضع لله رفعه، لكن رجال الدين المتزمتين الذين نصبوا أنفسهم حراسا له لم يرضيهم اقتراب الجوهرة من البسطاء ومشيها فى الأسواق دلالة التقرب الى العامة ، فطاردوا الجوهرة وأغلقوا عليها الأبواب، وتلك اشارة الى التزمت والتطرف الدينى الذى يجعل من الدين جماعات صغيرة منغلقة على نفسها ومعادية للمجتمع. (دار عبادتهم) تعبير مكثف عن الكهنوت والكهانة ، فالدين الحق صلة بين العبد وربه. هونص جميل وعميق.
فى نص آخر موسوم ب(كياسة) يقدم قصة مشهدية أخرى:
وقف أمام لجنة المسابقة، سألوه:
كم يبلغ طول (منزلك)؟..
تمدد أمامهم.
التحليل :النص هنا ساخر جدا فالرجل لايملك منزلا يأويه، وحين افترض السائلون أنه يملك منزلا كان رده عليهم عملياً حين سألوه عن طول المنزل، فتمدد وتلك كناية عن أن بيته هو جسده فقط. وطنه هوجسده وبيته هوجسده. الخاتمة هنا متوهجة وصادمة.
في نص آخر هو(فوز) يرصد الكاتب جانبا آخرا من جوانب التدين الكاذب بشكل قاس ومتحدى فيقول:
(أنين الحانات) تخطى (زهو المساجد)فى
طريقه..
الى..
السماء.)
التحليل: يعتمد النص على المقابلة بين ( المساجد الأنيقة) التى تطاول عنان السماء وهى خاوية من المؤمنين احيانا ، وبين الحانات الصغيرة البائسة المزدحمة بمن يئن من الجوع والحزن والجهل،اولئك الذين لاذوا بالحانات ليس عن كفر ، بل عن وجع وألم وحيرة بلغت اناتهم السماء. بالرغم من صعوبة تصور أن يكون من بالحانات أكثر إيمانا وقربا الى الله ممن يرابطون بالمساجد الأنيقة أوغيرها، لكن الفكرة لاتقوم على هذا التعميم، بل تبنى على فكرة( المسجد الضرار) المشيد لأغراض دنيوية بحتة لاعلاقة لها بفكرة المسجد نفسها. وهنا يحيلنا الكاتب ضمنا الى تناص مع القرآن الكريم في قوله تعالى فى سورة التوبة:
( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون ( 107 )
.
قوله تعالى : ( والذين اتخذوا ) قرأ : أهل المدينة والشام " الذين " بلا واو ، وكذلك هو في مصاحفهم ، وقرأ الآخرون : " والذين " بالواو . ( مسجدا ضرارا ) نزلت هذه الآية في جماعة من المنافقين ، بنوا مسجدا يضارون به مسجد قباء ، وكانوا اثني عشر رجلا من أهل النفاق : وديعة بن ثابت ، وجذام بن خالد ، ومن داره أخرج هذا المسجد ، وثعلبة بن حاطب ، وجارية بن عامر ، وابناه مجمع وزيد ، ومعتب بن قشير ، وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف ، وأبو حبيبة بن الأزعر ، ونبتل بن الحارث ، وبجاد بن عثمان ، ورجل يقال له : بحزج ، بنوا هذا المسجد ضرارا ، يعني : مضارة للمؤمنين ، ( وكفرا ) بالله ورسوله ، ( وتفريقا بين المؤمنين ) ؛ لأنهم كانوا جميعا يصلون في مسجد قباء ، فبنوا مسجد الضرار ، ليصلي فيه بعضهم ، فيؤدي ذلك إلى الاختلاف وافتراق الكلمة ، وكان يصلي بهم مجمع بن جارية .المقصود هنا اذن هو ادعياء الدين وليس الدين نفسه. وهنا يشير الكاتب ضمنا الى فكرة صوفية شائعة ترى الصلاح في بسطاء الناس مهما كانت مظاهرهم الخارجية فالعبرة بما فى القلوب وليس بما على اللسان. والعبرة بالجوهر لا المظهر.
فى نصه(حوجة) يقدم حوارا شيقا بين الجد والحفيد ليقدم من خلاله مغزى يؤرقه كثيرا:
جاء إلى جده شاكيا:صعب علي
المشي بين الناس...
قال: ما تلك بيمينك؟..
قال:وردة...
قال:اعطني يدك الأخرى...
وضع فيها سيفا.
التحليل: النص فيه تناص واضح مع القرآن الكريم سورة طه(وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى )،ان استدعاء النص القرآنى هنا مقصود ، فالحفيد الذى شكا للجد عدم قدرته على المشي بين الناس ، تعلم من جده أنه يجب أن يملك سيفاً مع الوردة،الوردة هنا رمز للسلام والمفاوضات السلمية والسيف رمز للقوة المطلوبة حتى فى مائدة التفاوض، فالوردة وحدها لن تجلب سوي الهوان والمذلة. هنا رسالة النص الموجهةللشعوب العربية كافة: سلام الضعفاء استسلام لن يجلب سوى العار، لابد من القوة لكى تحظوا بقليل من الإحترام فى هذا العالم.
فى نصه(حكمة) يستمر على ادريس فى عقد مقارناته الموجعة بين المتضادات وهذه المرة الثنائية بين الموت والحياة:
(الدنيا) تنكرت، ثم تجولت فى شوارع
المدينة...
كادت أن تكمل مهمتها بنجاح...
لولا ذلك (الصبي)...
الذى يعمل مع(خائط الأكفان).
فالدنيا كادت تعبر شوارع الموت دون أن تصيبها مصيبة الموت، لكن الموت كان ينتظرها فى ناصية ما متخذا شكل صبي يعمل في خياطة الأكفان.هنا ينتصر الموت على الحياة كأنه كابوس لافكاك منه ولاخلاص.
فى نصه(غاية) يسخر الكاتب علنا من الساسة الذين تنزلق منهم الحقائق مهما تفننوا فى اخفائها:
ذلك (السياسي) المتلعثم، كان مصدرا
لسخريتهم...
عندما قال:إن نهب(بدلاعن حكم) البلاد
يجب أن يكون دوريا...
لم يضحك أحد.
هذه الكوميديا السوداء ربما تشكل مشاهدات يومية معاصرة تسد الأفق على الشعوب العربية، تلك الخطابات المكرورة عن المجد والحق وهى كلمات حق يراد بها الباطل. السأم الذى دفع المستمعين الى عدم الضحك هو فى الحقيقة سأم الشعوب من القيادات القديمة والمناهج القديمة وتوقها الى الانعتاق.
فى نصه الموسوم ب(رفض) يقارب الكاتب فكرة الموت ولايملك الا البكاء فى حضرة الموت مع أبطاله الذين انتظروا الموت ببسالة لكنهم اجهشوا بالبكاء حين فارق بعضهم بعضاً. :(اصطفوا ليعبروا الى (الضفة
الأخرى)...
عبر بعضهم...
سالت دموعهم.) هذا النص هو نص مدهش وهو يحتصر الواقع العربي الذى يحاكى واقع المحكوم عليهم بالإعدام الذين يموتون كلما يغادر أحدهم الى الضفة الأخري ويتركهم فى الإنتظار.فانتظار الموت أقسي منه.
فى نصه الموسوم ب(الكاشف) يمارس تأمله فى أحوال البشر:
(كان منشغلا بالثرثرة معي،لم ينتبه
الى(لسانه)،الذى تسلل الى (صدري)...
ونقله من (غرفة) ...
الى...
أخرى.) فالرجل الثرثاريهتك لسانه كل الأسرار والأسوار ولايرعي حرمة لشئ، مثله فى ذلك مثل كاشف المعادن الذى يكشف المختبئ منها فى باطن الأرض، انه تشبيه بديع يعري فيه الكاتب هذا النوع الذى يتغذي بهتك أسرار الاخرين. العنوان ( الكاشف) جميل فهو ليس كاشفا للمغزى بل يعطى ملمحا ولايبوح، فتشبيه الرجل بكاشف المعادن تشبيه يتطلب اكتشافه التدقيق فى النص .
فى نصه الموسوم ب(ظلم) يقدم مشهدا مباشرا لقضية اجتماعية قديمة متجددة هى قضية اللقطاء:(رموها على قارعة الطريق،(اللفافة) التى كانت (دليلا) على نزوتهما،ترعرعت...
وعندما صاح الجميع: محكمة...
فدتهما وتقدمت...
ك(متهم) أوحد.
النص هنا مباشر ولكنها ليست مباشرة مفسدة للقصة بل هى مباشرة مثيرة للأسئلة.
فى قصته(سراب) يقارب على ادريس فكرة الموت بشكل مرعب وصادم يجسد ضيق المسافة بين الأمانى والنهايات:
(أبر قسمه بأن يسكن(منزلا) تشرئب
له أعناق الزائرين...
زاروه...
كان (منزله)...
تحت أقدامهم.) فالرجل كان منزله قبره. وهو فعلا منزل تشرئب له اعناق الزائرين بشكل ما.
ويقترب اكثر من الموت فى نصه(نكران)
(أثناء(مراسم) وداعه
الأخير...
صاروا ينادونه بال(جثمان)...
سقطت (دمعة)...
من...) فالميت سالت دمعة منه حين سمعهم ينادونه بالجثمان.
فى نصه (إستدراك) يقدم ملمحا رائعا للحياة حين يتشاركها الفقراء:(مشى ساخطا...
سمع همس أحدهم لنفسه(ليتها
لي)...
قطعة (الخبز) التى بين يديه...
صارت...
مائدة.) فقد نسي الفقير سخطه حين ادرك ان هناك من هو أفقر منه ولايملك ثمن قطعة الخبز التى يحملها هو، فجلس أرضا وشارك الفقير لقمته فصارت اللقمة مائدة عامرة وهل ينقص مال من صدقة؟
فى قصته(فجة)يرصد اللحظات الأخيرة فى حيا امرأة وهى مايعرف ب (فجة الموت) فى العامية السودانية،والفجة تعنى تقدم الصفوف، فيشبه الميت الذى تحضره صحوة مفاجئة قبل الرحيل بذلك الفارس الذي يشق الصفوف ويتقدم بثبات لمواجهة قدره فيبدو كأنه يمزق أستار الموت:(عادت من غيبوبتها،أزاحوا عنها كل أجهزة(العناية المكثفة)...
فرحوا بشفائها...كانت فرحة...
بالنظرة الأخيرة.)
وفى قصته(إختصار) يرصد الكاتب هجرة البعض نحو السلطة المتسربلة بثياب الدين ومظاهر التدين الكاذب:(صديقي غير شكل جلبابه،تعلم بعض
الكلمات...
غادرته وهو يبحث عن نغمة (دينية) لهاتفه
الجوال...
كخطوة أخيرة...
فى طريقه الى الله) تبدو العبارة الأخيرة فى طريقه نحو الله مجسدة لقمة السخرية، فهل يحتاج التوجه نحو الله الى نغمة دينية للجوال وباقى المظاهر الزائفة؟ هى هجرة نحو الدنيا فى الحقيقة.
فى قصته(ثأر) يجسد مشهدا صوفيا بحتا، فالقتيل موقن من أن السماء ارسلت من يقص له من قاتله لذلك لم يكلف نفسه عناء الالتفات الى الوراء ليراه:(سهامه اخترقت ظهري،لم التفت
اليه...
حتى لا أشغله عن استقبال رسول
السماء.)
فى نصه(رسوخ) يقارب موضوع الحزن
(الحكيم الذى سكن مدينتتا،قال للناس ان أحزانهم تصير نقطة صغيرة ثم تتلاشى فى الأفق...
دعاهم للاحتفال بوداعها...
كان حشدا كبيرا...
كدت أن أجد موطئا لقدمي...
لولا أن (حزني) سبقني اليه.) فالحزن مثل الموت انتصر على حكمة الحكيم وتفاؤله وخطبه الجميلة، فليس بالخطب وحدها تغسل الأحزان.
فى نصه(خيبة) يصور كيف تنتاب شهوة القتل الطغاة وتتحكم فيهم :(جمع كل جثث الشهداء...
جعلها فوق بعضها...
ثم تسلقها...
لم توصله الى العرش...
تمنى لو كانت أكثر عددا.) فالطاغية يتمنى لو زاد عدد الشهداء بحيث يكتمل السلم الذى يوصله الى العرش، هم مجرد سلم يرتقيه وليسوا أناسا لهم الحق فى الحياة.
وفى قصته(سروج) يعود الى مقاربة موضوع السلام والحرب وثنائية القوة والسلم:(وهى تودعني...أمي
ملأت يدي بالورود...
جدتي...
فتحت جيبي الخلفي...
دست حجرا.) فبينما زودته الجدة بالورود ، زودته الأم بالحجر وهكذا اجتمع عنده الحرب والسلم والقوة المادية والروحية.
فى قصته(شفاء)يقدم صورة مقلوبة للأوضاع ، يمسي العاقل فيها مجنونا والمجانين عقلاء:(لم يعجبه جنونهم...
قرر مغادرتهم...
عند بوابة الخروج...كبلوه
بالسلاسل.) فالمجانين هم من كبل العاقل بالسلاسل. وهذا مشهد تكرر فى حياتنا كثيرا لكثير من المبدعين الذىن اسلمتهم الأوضاع الشاذة فى اوطانهم الى حافة الجنون. فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدرى بما يجري.
فى قصته(صور) يرجع مرة أخرى الى مغازلة قضي التدين المظهرى الكاذب:
(الخارجون من المسجد نظروا إلى
العربيد الملقى على الطريق باستهجان...
تلك التى تسأل ثمن الدواء لطفلها قبلت
رأس العربيد...
ثم...
نظرت اليهم...
باستهجان) المرأة الفقيرة تعرف السر ، بينما تجاهلها الخارجون من المسجد وصموا اذانهم عن صراخها حين سألتهم ثمن الدواء لطفلها، قام العربيد الملقي بالشارع بالواجب تجاهها، لذلك نظرت اليهم باحتقار لأنها ادركت حقيقتهم ونظرت الي الرجل الذي يحتقرونه باحترام لانها ادركت حقيقته وبهذا سقطت الأقنعة.
فى قصته(تفرد) يلامس الكاتب وجعه الشخصي ممثلا في فقد الأم:(سمحوا لهم
بالتحليق حول
احبابهم...
فى طريق عودتهم...
اكتشفوا أن " روح أمي "...
ليست معهم .)
ثم عاد فى نصه الموسوم ب(شـــوق) لمقاربة ذات الوجع ليلة عيد الأم:(لاسبيل له...ليقبل
يدها,ويهديها..فى
يوم عيدها...
كمايفعلون...
إضْطَـجَعَ...مُبكراً.). فهو يحن الى أمه الراحلة ويدرك ان من العسير استعادتها واستعادة دفئها.
فى قصته:(القتيل)
فرغوا من إقتتالهم
حوله...
هرولوا نحوه...
لم يجدوه...
وجدوا بعضاًمن
قنابلهم.) فقد قتلوا الوطن بقنابلهم وحروبهم الداخلية عديمة الجدوى.
انهد قصري ، قالت أمي :
هيا أحصي إخوانك.
التحليل: فقد الرجل ثروته ممثلةفى قصره، ذكرته أمه بثروته الحقيقية( إخوته). وهنا مقابلة بين المال كقيمةمادية والأخوة كقيمةروحيةومعنوية غير قابلة للضياع والتلف، ومن خلال هذه المقابلةتحدث الحيويةفى النص وتمنحه بديلا عن النهاية الصاخبة لايقل توهجا هو كلمات الأم الثلاث.
فى نصه الموسوم ب(غربة)ملمح آخر يرصده بدقة:
الجوهرة التى خرجت من بين
الأحجار صاحت:
من يشتريني ؟
قالوا : وما الثمن؟
قالت :أن يرى توهجي.
التحليل :
الجوهرةشعرت بالغربة والمهانةوهى مطمورة بين الحجارة فصرخت مستنجدة تبحث عمن يحررها من الأسروالمهانة، فكانت النتيجةمزيدا من الاذلال حيث تمت مساومتها على ثمن الحرية فعرضت وهجهاثمنا لحريتها، علما بانها عرضت مجرد رؤية الوهج كثمن، الإشارةهنا للحرية فمن يرد نيلها عليه دفع الثمن لمجرد رؤية وهجها، الجوهرةهى الحرية السليبة.لذلك كان شعورها بالغربة لوجودها بين الحجارة، والحجارةهنا رمزللسجن وتقييد الحرية. هونص مبهر جميل فى رمزيته الموحية وعنوانه الملتبس عمدا. نلاحظ أن الخاتمة على غير المعتاد ليست حدثا صاخبا مفاجئا، بل هى إجابة تحمل فى ثناياها مايثير الأسئلة.
فى نصه(حرمان) يرصد مشهدا غريبا ويقدمه عاريا:
أخذتها بين يديها،ثم جالت ببصرها بحثا
عمن تسأله:هل سيعجب طفلي بهذه
(الدمية)؟..
لم تجد سوى بائع الدمي.
النص هنا نص ساخر وساحر، المرأة المحرومة من الأطفال ،أخذت دمية بين يديها لتشبع جوعها الى الأطفال، ثم أرادت أن تبرر حملها للدمية بسؤال ليس مقصودا فى حد ذاته ، فالغرض منه التمويه، فالأم تعرف جيدا مايعجب طفلها ، ولكنها لاتملك طفلا لذا تسأل سؤالها ولاتجد مجيباً سوى بائع الدمى نفسه. بدت الخاتمة مقحمة وغير ضرورية، فالسؤال يبقي كافيا، وليست هناك حاجة لبقية النص( لم تجد سوى بائع الدمى). العنوان شارح للنص وهذا عيب كبير.
فى نصه الموسوم(تطوع) يقدم مشهدا يبدو أقرب الي الكاركتير:
(أحدهم) تصدى للحجر الذى رمتني
به السماء..
ثم..
قذفه نحوي.
التحليل:
النص مراوغ ومخادع فى تصويره للسلوك البشري المتعجل ، فالراوي يتحدث عن شخص سابق القدر المتربص به، التقط حجر القدر قبل ان يصيب الراوى وقذفه نحوه ، فتحمل بذلك وزرا ما كان ليتحمله لو لاذ بقليل من الصبر. مثله مثل القاتل يعلم أن لكل نفس أجل محتوم ومع ذلك لايتروي ويسدد طعنته القاتلة ليبوء بوزر القتل. نلاحظ هنا وجود النهاية الصادمة المفاجئة حتى أن القارئ يحاول تفادى الحجر المقذوف.
في قصته(تقزيم) يقدم مشهدا كاملا:
سقطت(جوهرة) من كتابهم المقدس،مشت
فى الأسواق.
طاردوها.
قبضوا عليها.
أدخلوها الى دار عبادتهم.
ثم غلقوا الأبواب.
التحليل: النص يصور التزمت الدينى فى أعمق صوره،المفردات غنية بالدلالات( سقطت/ جوهرة/ كتابهم المقدس/ مشت فى الأسواق/ طاردوها/ قبضوا عليها /غلقوا عليها الأبواب)
فالسقوط اذا كان سقوط شئ عادى يقلل من قيمة الشئ ولكن حين يكون سقوط (جوهرة من كتاب مقدس) فهو لايغير شئيا فى قيمتها، فهى جوهرة مقدسة أينما كانت،وهى سامقة سواء كانت فى الأرض أو السماء،فالسقوط هنا تواضع واقتراب من البسطاء ومن تواضع لله رفعه، لكن رجال الدين المتزمتين الذين نصبوا أنفسهم حراسا له لم يرضيهم اقتراب الجوهرة من البسطاء ومشيها فى الأسواق دلالة التقرب الى العامة ، فطاردوا الجوهرة وأغلقوا عليها الأبواب، وتلك اشارة الى التزمت والتطرف الدينى الذى يجعل من الدين جماعات صغيرة منغلقة على نفسها ومعادية للمجتمع. (دار عبادتهم) تعبير مكثف عن الكهنوت والكهانة ، فالدين الحق صلة بين العبد وربه. هونص جميل وعميق.
فى نص آخر موسوم ب(كياسة) يقدم قصة مشهدية أخرى:
وقف أمام لجنة المسابقة، سألوه:
كم يبلغ طول (منزلك)؟..
تمدد أمامهم.
التحليل :النص هنا ساخر جدا فالرجل لايملك منزلا يأويه، وحين افترض السائلون أنه يملك منزلا كان رده عليهم عملياً حين سألوه عن طول المنزل، فتمدد وتلك كناية عن أن بيته هو جسده فقط. وطنه هوجسده وبيته هوجسده. الخاتمة هنا متوهجة وصادمة.
في نص آخر هو(فوز) يرصد الكاتب جانبا آخرا من جوانب التدين الكاذب بشكل قاس ومتحدى فيقول:
(أنين الحانات) تخطى (زهو المساجد)فى
طريقه..
الى..
السماء.)
التحليل: يعتمد النص على المقابلة بين ( المساجد الأنيقة) التى تطاول عنان السماء وهى خاوية من المؤمنين احيانا ، وبين الحانات الصغيرة البائسة المزدحمة بمن يئن من الجوع والحزن والجهل،اولئك الذين لاذوا بالحانات ليس عن كفر ، بل عن وجع وألم وحيرة بلغت اناتهم السماء. بالرغم من صعوبة تصور أن يكون من بالحانات أكثر إيمانا وقربا الى الله ممن يرابطون بالمساجد الأنيقة أوغيرها، لكن الفكرة لاتقوم على هذا التعميم، بل تبنى على فكرة( المسجد الضرار) المشيد لأغراض دنيوية بحتة لاعلاقة لها بفكرة المسجد نفسها. وهنا يحيلنا الكاتب ضمنا الى تناص مع القرآن الكريم في قوله تعالى فى سورة التوبة:
( والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون ( 107 )
.
قوله تعالى : ( والذين اتخذوا ) قرأ : أهل المدينة والشام " الذين " بلا واو ، وكذلك هو في مصاحفهم ، وقرأ الآخرون : " والذين " بالواو . ( مسجدا ضرارا ) نزلت هذه الآية في جماعة من المنافقين ، بنوا مسجدا يضارون به مسجد قباء ، وكانوا اثني عشر رجلا من أهل النفاق : وديعة بن ثابت ، وجذام بن خالد ، ومن داره أخرج هذا المسجد ، وثعلبة بن حاطب ، وجارية بن عامر ، وابناه مجمع وزيد ، ومعتب بن قشير ، وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف ، وأبو حبيبة بن الأزعر ، ونبتل بن الحارث ، وبجاد بن عثمان ، ورجل يقال له : بحزج ، بنوا هذا المسجد ضرارا ، يعني : مضارة للمؤمنين ، ( وكفرا ) بالله ورسوله ، ( وتفريقا بين المؤمنين ) ؛ لأنهم كانوا جميعا يصلون في مسجد قباء ، فبنوا مسجد الضرار ، ليصلي فيه بعضهم ، فيؤدي ذلك إلى الاختلاف وافتراق الكلمة ، وكان يصلي بهم مجمع بن جارية .المقصود هنا اذن هو ادعياء الدين وليس الدين نفسه. وهنا يشير الكاتب ضمنا الى فكرة صوفية شائعة ترى الصلاح في بسطاء الناس مهما كانت مظاهرهم الخارجية فالعبرة بما فى القلوب وليس بما على اللسان. والعبرة بالجوهر لا المظهر.
فى نصه(حوجة) يقدم حوارا شيقا بين الجد والحفيد ليقدم من خلاله مغزى يؤرقه كثيرا:
جاء إلى جده شاكيا:صعب علي
المشي بين الناس...
قال: ما تلك بيمينك؟..
قال:وردة...
قال:اعطني يدك الأخرى...
وضع فيها سيفا.
التحليل: النص فيه تناص واضح مع القرآن الكريم سورة طه(وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى )،ان استدعاء النص القرآنى هنا مقصود ، فالحفيد الذى شكا للجد عدم قدرته على المشي بين الناس ، تعلم من جده أنه يجب أن يملك سيفاً مع الوردة،الوردة هنا رمز للسلام والمفاوضات السلمية والسيف رمز للقوة المطلوبة حتى فى مائدة التفاوض، فالوردة وحدها لن تجلب سوي الهوان والمذلة. هنا رسالة النص الموجهةللشعوب العربية كافة: سلام الضعفاء استسلام لن يجلب سوى العار، لابد من القوة لكى تحظوا بقليل من الإحترام فى هذا العالم.
فى نصه(حكمة) يستمر على ادريس فى عقد مقارناته الموجعة بين المتضادات وهذه المرة الثنائية بين الموت والحياة:
(الدنيا) تنكرت، ثم تجولت فى شوارع
المدينة...
كادت أن تكمل مهمتها بنجاح...
لولا ذلك (الصبي)...
الذى يعمل مع(خائط الأكفان).
فالدنيا كادت تعبر شوارع الموت دون أن تصيبها مصيبة الموت، لكن الموت كان ينتظرها فى ناصية ما متخذا شكل صبي يعمل في خياطة الأكفان.هنا ينتصر الموت على الحياة كأنه كابوس لافكاك منه ولاخلاص.
فى نصه(غاية) يسخر الكاتب علنا من الساسة الذين تنزلق منهم الحقائق مهما تفننوا فى اخفائها:
ذلك (السياسي) المتلعثم، كان مصدرا
لسخريتهم...
عندما قال:إن نهب(بدلاعن حكم) البلاد
يجب أن يكون دوريا...
لم يضحك أحد.
هذه الكوميديا السوداء ربما تشكل مشاهدات يومية معاصرة تسد الأفق على الشعوب العربية، تلك الخطابات المكرورة عن المجد والحق وهى كلمات حق يراد بها الباطل. السأم الذى دفع المستمعين الى عدم الضحك هو فى الحقيقة سأم الشعوب من القيادات القديمة والمناهج القديمة وتوقها الى الانعتاق.
فى نصه الموسوم ب(رفض) يقارب الكاتب فكرة الموت ولايملك الا البكاء فى حضرة الموت مع أبطاله الذين انتظروا الموت ببسالة لكنهم اجهشوا بالبكاء حين فارق بعضهم بعضاً. :(اصطفوا ليعبروا الى (الضفة
الأخرى)...
عبر بعضهم...
سالت دموعهم.) هذا النص هو نص مدهش وهو يحتصر الواقع العربي الذى يحاكى واقع المحكوم عليهم بالإعدام الذين يموتون كلما يغادر أحدهم الى الضفة الأخري ويتركهم فى الإنتظار.فانتظار الموت أقسي منه.
فى نصه الموسوم ب(الكاشف) يمارس تأمله فى أحوال البشر:
(كان منشغلا بالثرثرة معي،لم ينتبه
الى(لسانه)،الذى تسلل الى (صدري)...
ونقله من (غرفة) ...
الى...
أخرى.) فالرجل الثرثاريهتك لسانه كل الأسرار والأسوار ولايرعي حرمة لشئ، مثله فى ذلك مثل كاشف المعادن الذى يكشف المختبئ منها فى باطن الأرض، انه تشبيه بديع يعري فيه الكاتب هذا النوع الذى يتغذي بهتك أسرار الاخرين. العنوان ( الكاشف) جميل فهو ليس كاشفا للمغزى بل يعطى ملمحا ولايبوح، فتشبيه الرجل بكاشف المعادن تشبيه يتطلب اكتشافه التدقيق فى النص .
فى نصه الموسوم ب(ظلم) يقدم مشهدا مباشرا لقضية اجتماعية قديمة متجددة هى قضية اللقطاء:(رموها على قارعة الطريق،(اللفافة) التى كانت (دليلا) على نزوتهما،ترعرعت...
وعندما صاح الجميع: محكمة...
فدتهما وتقدمت...
ك(متهم) أوحد.
النص هنا مباشر ولكنها ليست مباشرة مفسدة للقصة بل هى مباشرة مثيرة للأسئلة.
فى قصته(سراب) يقارب على ادريس فكرة الموت بشكل مرعب وصادم يجسد ضيق المسافة بين الأمانى والنهايات:
(أبر قسمه بأن يسكن(منزلا) تشرئب
له أعناق الزائرين...
زاروه...
كان (منزله)...
تحت أقدامهم.) فالرجل كان منزله قبره. وهو فعلا منزل تشرئب له اعناق الزائرين بشكل ما.
ويقترب اكثر من الموت فى نصه(نكران)
(أثناء(مراسم) وداعه
الأخير...
صاروا ينادونه بال(جثمان)...
سقطت (دمعة)...
من...) فالميت سالت دمعة منه حين سمعهم ينادونه بالجثمان.
فى نصه (إستدراك) يقدم ملمحا رائعا للحياة حين يتشاركها الفقراء:(مشى ساخطا...
سمع همس أحدهم لنفسه(ليتها
لي)...
قطعة (الخبز) التى بين يديه...
صارت...
مائدة.) فقد نسي الفقير سخطه حين ادرك ان هناك من هو أفقر منه ولايملك ثمن قطعة الخبز التى يحملها هو، فجلس أرضا وشارك الفقير لقمته فصارت اللقمة مائدة عامرة وهل ينقص مال من صدقة؟
فى قصته(فجة)يرصد اللحظات الأخيرة فى حيا امرأة وهى مايعرف ب (فجة الموت) فى العامية السودانية،والفجة تعنى تقدم الصفوف، فيشبه الميت الذى تحضره صحوة مفاجئة قبل الرحيل بذلك الفارس الذي يشق الصفوف ويتقدم بثبات لمواجهة قدره فيبدو كأنه يمزق أستار الموت:(عادت من غيبوبتها،أزاحوا عنها كل أجهزة(العناية المكثفة)...
فرحوا بشفائها...كانت فرحة...
بالنظرة الأخيرة.)
وفى قصته(إختصار) يرصد الكاتب هجرة البعض نحو السلطة المتسربلة بثياب الدين ومظاهر التدين الكاذب:(صديقي غير شكل جلبابه،تعلم بعض
الكلمات...
غادرته وهو يبحث عن نغمة (دينية) لهاتفه
الجوال...
كخطوة أخيرة...
فى طريقه الى الله) تبدو العبارة الأخيرة فى طريقه نحو الله مجسدة لقمة السخرية، فهل يحتاج التوجه نحو الله الى نغمة دينية للجوال وباقى المظاهر الزائفة؟ هى هجرة نحو الدنيا فى الحقيقة.
فى قصته(ثأر) يجسد مشهدا صوفيا بحتا، فالقتيل موقن من أن السماء ارسلت من يقص له من قاتله لذلك لم يكلف نفسه عناء الالتفات الى الوراء ليراه:(سهامه اخترقت ظهري،لم التفت
اليه...
حتى لا أشغله عن استقبال رسول
السماء.)
فى نصه(رسوخ) يقارب موضوع الحزن
(الحكيم الذى سكن مدينتتا،قال للناس ان أحزانهم تصير نقطة صغيرة ثم تتلاشى فى الأفق...
دعاهم للاحتفال بوداعها...
كان حشدا كبيرا...
كدت أن أجد موطئا لقدمي...
لولا أن (حزني) سبقني اليه.) فالحزن مثل الموت انتصر على حكمة الحكيم وتفاؤله وخطبه الجميلة، فليس بالخطب وحدها تغسل الأحزان.
فى نصه(خيبة) يصور كيف تنتاب شهوة القتل الطغاة وتتحكم فيهم :(جمع كل جثث الشهداء...
جعلها فوق بعضها...
ثم تسلقها...
لم توصله الى العرش...
تمنى لو كانت أكثر عددا.) فالطاغية يتمنى لو زاد عدد الشهداء بحيث يكتمل السلم الذى يوصله الى العرش، هم مجرد سلم يرتقيه وليسوا أناسا لهم الحق فى الحياة.
وفى قصته(سروج) يعود الى مقاربة موضوع السلام والحرب وثنائية القوة والسلم:(وهى تودعني...أمي
ملأت يدي بالورود...
جدتي...
فتحت جيبي الخلفي...
دست حجرا.) فبينما زودته الجدة بالورود ، زودته الأم بالحجر وهكذا اجتمع عنده الحرب والسلم والقوة المادية والروحية.
فى قصته(شفاء)يقدم صورة مقلوبة للأوضاع ، يمسي العاقل فيها مجنونا والمجانين عقلاء:(لم يعجبه جنونهم...
قرر مغادرتهم...
عند بوابة الخروج...كبلوه
بالسلاسل.) فالمجانين هم من كبل العاقل بالسلاسل. وهذا مشهد تكرر فى حياتنا كثيرا لكثير من المبدعين الذىن اسلمتهم الأوضاع الشاذة فى اوطانهم الى حافة الجنون. فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدرى بما يجري.
فى قصته(صور) يرجع مرة أخرى الى مغازلة قضي التدين المظهرى الكاذب:
(الخارجون من المسجد نظروا إلى
العربيد الملقى على الطريق باستهجان...
تلك التى تسأل ثمن الدواء لطفلها قبلت
رأس العربيد...
ثم...
نظرت اليهم...
باستهجان) المرأة الفقيرة تعرف السر ، بينما تجاهلها الخارجون من المسجد وصموا اذانهم عن صراخها حين سألتهم ثمن الدواء لطفلها، قام العربيد الملقي بالشارع بالواجب تجاهها، لذلك نظرت اليهم باحتقار لأنها ادركت حقيقتهم ونظرت الي الرجل الذي يحتقرونه باحترام لانها ادركت حقيقته وبهذا سقطت الأقنعة.
فى قصته(تفرد) يلامس الكاتب وجعه الشخصي ممثلا في فقد الأم:(سمحوا لهم
بالتحليق حول
احبابهم...
فى طريق عودتهم...
اكتشفوا أن " روح أمي "...
ليست معهم .)
ثم عاد فى نصه الموسوم ب(شـــوق) لمقاربة ذات الوجع ليلة عيد الأم:(لاسبيل له...ليقبل
يدها,ويهديها..فى
يوم عيدها...
كمايفعلون...
إضْطَـجَعَ...مُبكراً.). فهو يحن الى أمه الراحلة ويدرك ان من العسير استعادتها واستعادة دفئها.
فى قصته:(القتيل)
فرغوا من إقتتالهم
حوله...
هرولوا نحوه...
لم يجدوه...
وجدوا بعضاًمن
قنابلهم.) فقد قتلوا الوطن بقنابلهم وحروبهم الداخلية عديمة الجدوى.
فى قصته(إشفاق)
(أرهقتني...لافتات
الطريق "إحترس..أمامك
منعطف خطير"...
أدركتُ...
كم يعاني...وطني؟.) يصور حال الوطن المسكون بالموانع والمخاطر والاسلاك الشائكة بشكل شفاف ومباشر.
في قصته:(سجين)
إستدرجوا(الدين)...إلى(حيث
يصلون)...
ثم...
غلقوا الأبواب. ) يصور التزمت الدينى الذى يجعل الدين نفسه سجينا.
(أرهقتني...لافتات
الطريق "إحترس..أمامك
منعطف خطير"...
أدركتُ...
كم يعاني...وطني؟.) يصور حال الوطن المسكون بالموانع والمخاطر والاسلاك الشائكة بشكل شفاف ومباشر.
في قصته:(سجين)
إستدرجوا(الدين)...إلى(حيث
يصلون)...
ثم...
غلقوا الأبواب. ) يصور التزمت الدينى الذى يجعل الدين نفسه سجينا.
ــضْح
تظاهروا:(نريد حاكماً عادلاً..أميناً..
نزيهاً...)..
قيل لهم:(هيا...هاتوه من بينكم)...
تبادلوا النظرات!!. ) هنا يفضح من يزايدون على الوطن فهم ليس بينهم رجل رشيد صالح ليكون حاكما للوطن ولكنهم الأعلى صوتا.
تظاهروا:(نريد حاكماً عادلاً..أميناً..
نزيهاً...)..
قيل لهم:(هيا...هاتوه من بينكم)...
تبادلوا النظرات!!. ) هنا يفضح من يزايدون على الوطن فهم ليس بينهم رجل رشيد صالح ليكون حاكما للوطن ولكنهم الأعلى صوتا.
ظَــنْ
كان لصيقاً بهم,يرتاد
دورهم...
يقاسمهم إحساس(فقد
الأبوين)...
رحلت(أُمُـه)..
إنتابه إحساس...غريب.) هنا يعود الى وجعه الرئيس رحيل الأم فيقاربه من زاوية مختلفة.
كان لصيقاً بهم,يرتاد
دورهم...
يقاسمهم إحساس(فقد
الأبوين)...
رحلت(أُمُـه)..
إنتابه إحساس...غريب.) هنا يعود الى وجعه الرئيس رحيل الأم فيقاربه من زاوية مختلفة.
فى نصه(أَطْـمَاع) يصور حال الوطن السودانى المرهق بحروب داخلية لامعنى لها ولاطائل من ورائها فيقول:(تـَعَارَكُوا...تـَقَاتَلُوا,زُهــقَت أَرواحُهم..تـَطَايرَتْ
أَشـْلاؤُهم...
صـَرَخ فيهم الوَطـَنْ:أَرْجـُوكم...كـُفوا عن
الموت من أَجـْلي..
قالُوا بصَوت واحد:من أَنت!!؟.) الخاتمة الرائعة للقصة تتجسد فى اغترابهم الروحى ، فهم لم يعرفوا الوطن حين خاطبهم، بدا لهم غريبا، وتلك قمة المأساة.
أَشـْلاؤُهم...
صـَرَخ فيهم الوَطـَنْ:أَرْجـُوكم...كـُفوا عن
الموت من أَجـْلي..
قالُوا بصَوت واحد:من أَنت!!؟.) الخاتمة الرائعة للقصة تتجسد فى اغترابهم الروحى ، فهم لم يعرفوا الوطن حين خاطبهم، بدا لهم غريبا، وتلك قمة المأساة.
.
فى قصته(شفاعة) تخرج حمامة بيضاء من صدر الميت المرتقب لتدعو الناس لحضور حفل وداعه:(حمامة بيضاء,خرجت
من صدري...
ثم طافت على الناس..
تدعوهم...
لوداعي المرتقب.)
فى قصته(شفاعة) تخرج حمامة بيضاء من صدر الميت المرتقب لتدعو الناس لحضور حفل وداعه:(حمامة بيضاء,خرجت
من صدري...
ثم طافت على الناس..
تدعوهم...
لوداعي المرتقب.)
.
فى قصته(إرضــــــاء) يلامس موضوع التدين الكاذب الذى يتقرب به صاحبه للناس المؤثرين على حياته ولايتقرب الى الله ككل متدين حقيقي:((كان يزاحم زملائه فى الصف الأول
لصلاة الظهر,مُكاتفاً رئيسه فى
العمل...
ثم..
يعود للمنزل...مهيئاً نفسه للتوبيخ
اليومي لزوجته...بأنه لا يمثل قدوة
لأبنائه..لأنه....لا يُصلي.) يبدو المشهد مضحكا مبكيا لذلك الرجل المتظاهر بالتدين فى مجال عمله وهو لايصلى في بيته.
لصلاة الظهر,مُكاتفاً رئيسه فى
العمل...
ثم..
يعود للمنزل...مهيئاً نفسه للتوبيخ
اليومي لزوجته...بأنه لا يمثل قدوة
لأبنائه..لأنه....لا يُصلي.) يبدو المشهد مضحكا مبكيا لذلك الرجل المتظاهر بالتدين فى مجال عمله وهو لايصلى في بيته.
فى نصه(عُقُوق) يجعل الوطن مريضا يقابل طبيبه شاكيا شكوي صادقة:(سَأَلَهُ الطَبِيب:مِمَّا تَشْكُو؟..
أَجَاب:أَبْنَائي..
:إِذاً ما اسْمُكْ؟؟..
قال:الوَطَنْ...
ثم أُغْمِي عَلَيْه.)
ثم يعود فى قصته(إخْـــــــتِزَال) الى موضوع المظاهر والجوهر:(رأَيْتُهُ..يَنْهَر الذى
سَأَلَهُ,قُلْتُ:(أَلَسْتَ مُسْلِمَاً؟)..
قَالَ غَاضِبَاً:(أَلَا تَرَانِي أُصَلِّي وأَصُوُم..
وأَسْتَخْدِمُ نَغَمَةً دِينِيَّةً على هَاتِفِي الجَوَّالْ؟).
هى سياحة ممتعة فى عالم مسكون بهموم كبيرة تموج بها روح شفافةتقارب الأشياء من زوايا لم يعتاد الناس على مقاربتها منها، يصرخ الطفل بإصرار فى وجه القبح والمظاهر الكاذبة ، يركض فى نهر الحياة وهو لايخفى قلق دائم وخوف دائم وثقة كبيرة بالجوهر الإنسانى الجميل. قصة على ادريس نافذة مشعة على الحياة شعارها الثابت هو مكافحة القبح والزيف وبحث دائم عن أضواء شموع من رحلوا من أحباب، لعلى أسمع فى ردهات قصص على ادريس صوت أمل دنقل : هذه الصورة العائلية
كان أبي جالساً، وأنا واقفُ .. تتدلى يداي
رفسة من فرس
تركت في جبيني شجاً، وعلَّمت القلب أن يحترس
أَجَاب:أَبْنَائي..
:إِذاً ما اسْمُكْ؟؟..
قال:الوَطَنْ...
ثم أُغْمِي عَلَيْه.)
ثم يعود فى قصته(إخْـــــــتِزَال) الى موضوع المظاهر والجوهر:(رأَيْتُهُ..يَنْهَر الذى
سَأَلَهُ,قُلْتُ:(أَلَسْتَ مُسْلِمَاً؟)..
قَالَ غَاضِبَاً:(أَلَا تَرَانِي أُصَلِّي وأَصُوُم..
وأَسْتَخْدِمُ نَغَمَةً دِينِيَّةً على هَاتِفِي الجَوَّالْ؟).
هى سياحة ممتعة فى عالم مسكون بهموم كبيرة تموج بها روح شفافةتقارب الأشياء من زوايا لم يعتاد الناس على مقاربتها منها، يصرخ الطفل بإصرار فى وجه القبح والمظاهر الكاذبة ، يركض فى نهر الحياة وهو لايخفى قلق دائم وخوف دائم وثقة كبيرة بالجوهر الإنسانى الجميل. قصة على ادريس نافذة مشعة على الحياة شعارها الثابت هو مكافحة القبح والزيف وبحث دائم عن أضواء شموع من رحلوا من أحباب، لعلى أسمع فى ردهات قصص على ادريس صوت أمل دنقل : هذه الصورة العائلية
كان أبي جالساً، وأنا واقفُ .. تتدلى يداي
رفسة من فرس
تركت في جبيني شجاً، وعلَّمت القلب أن يحترس
أتذكر
أختي الصغيرة ذات الربيعين
لا أتذكر حتى الطريق إلى قبرها
المنطمس
أو كان الصبي الصغير أنا ؟
أن ترى كان غيري ؟
أحدق
لكن تلك الملامح ذات العذوبة
لا تنتمي الآن لي
و العيون التي تترقرق بالطيبة
الآن لا تنتمي لي
صرتُ عني غريباً
ولم يتبق من السنوات الغربية
الا صدى اسمي
وأسماء من أتذكرهم -فجأة-
بين أعمدة النعي
أولئك الغامضون : رفاق صباي
يقبلون من الصمت وجها فوجها فيجتمع الشمل كل صباح
لكي نأتنس.
صلاح الدين سر الختم على
18 مايو 2014
أختي الصغيرة ذات الربيعين
لا أتذكر حتى الطريق إلى قبرها
المنطمس
أو كان الصبي الصغير أنا ؟
أن ترى كان غيري ؟
أحدق
لكن تلك الملامح ذات العذوبة
لا تنتمي الآن لي
و العيون التي تترقرق بالطيبة
الآن لا تنتمي لي
صرتُ عني غريباً
ولم يتبق من السنوات الغربية
الا صدى اسمي
وأسماء من أتذكرهم -فجأة-
بين أعمدة النعي
أولئك الغامضون : رفاق صباي
يقبلون من الصمت وجها فوجها فيجتمع الشمل كل صباح
لكي نأتنس.
صلاح الدين سر الختم على
18 مايو 2014

No comments:
Post a Comment