Friday, September 26, 2014

نص تحت مجهر النقد الكنز/ الاستاذ يحي أبو عرندس بقلم صلاح الدين سر الختم على



النص ( الكنز) للاستاذ يحي أبو عرندس
(ثمة صوت خافت يصدر من حجرة جدتي , تسللت على أطراف أصابعي ,أزحت الباب قليلاً, رأيتها تجلس القرفصاء , أشارت لى بيدها , جلست على مقربة منها , أخرجت مفتاح الخزنة من تحت وسادتها, فتحتها وألقت لى صرة نقودها الذهبية , وقعت عيني على خلخال , رمقتني بنظرة عتاب , هزت رأسها بالنفي ؛ هذاكل ماتبقى من رائحة جدك.)
التحليل:
في هذا النص يقدم القاص مشهدا منتزعا من الذاكرة الشخصية، مشهدا يستدعى في ذاكرة كل قارئ سحر الطفولة والصبا، وتلك العلاقة السحرية بين الجدة والسرد والفانتازيا،لكن الجدة هنا لاتروى قصة من الخيال كما هى العادة، بل تهب الحفيد مالا، ولكنها تبخل عيليه بالتذكار العزيز المتبقي من زوجها الراحل( الخلخال)، وهى بذلك تعلم الطفل درسا مهما في الوفاء وهو أن بعض الأشياء غير قابلة لللتخلى عنها ليس بسبب قيمتها المادية ، بل بسبب قيمتها المعنوية وما تمثله. النص مشع بالانسانية والصدق الفنى والإنسانى وقد تخير الكاتب لحظة فريدة ليعبر عن معنى عظيم. ما يميز النص وجود الحكاية وبساطتها وعمقها.
النص يعود بالقصة الى منابعها الأصيلة: كونها حكاية ذات مغزى أعمق من ظاهرها . القصة مشهدية، بمعنى أنها تتكون من عدة مشاهد:
المشهد الأول: صوت خافت يصدر عن غرفة الجدة. يثير الصوت الفضول في الطفل والقارئ معا.
المشهد الثانى: يتسلل الطفل على أطراف أصابعه نحو مصدر الصوت فضولا، يزداد التشويق، ننتظر لنعرف معه مايجري.
المشهد الثالث: يزيح الطفل الباب الموارب قليلا، تبدو الجدة جالسة القرفصاء.
المشهد الرابع: تشير الجدة للطفل بالدخول.
المشهد الخامس: يجلس الطفل على مقربة من جده( الماضى والحاضر والمستقبل يجتمعون في المشهد).
المشهد السادس :تخرج الجدة مفتاح خزنتها من تحت الوسادة( المفتاح يرمز الى اقتراب اماطة اللثام وكشف السر، والوضع تحت الوسادة يرمز الى الحرص وأهمية السر ومكانته عند الجدة)
المشهد السابع: تفتح الجدة الخزانة، وتخرج منها صرة بها نقودها الذهبية( الكنز المخبوء) حسبما ظن الطفل. فقد انصرف ذهنه الى شئ يقيم بالنقود والمادة.
المشهد السابع:يلمح الطفل خلخالا بين الأشياء، يظنه أقل الأشياء قيمة بحسب طبائع الأشياء، فيهم بأخذه. لكن الجدة ترمقه بنظرة عتاب وتهز رأسها علامة عدم الموافقة على أخذه. يندهش الطفل ونندهش معه.
المشهد الثامن: تكشف الجدة السر العزيز موضحة للطفل أن الخلخال الذي استخف به هو أكثر قيمة عندها من كل مال الدنيا وذهبها، لأنه هدية عزيزة من زوجها الراحل( الجد) قائلة انه ما تبقي لها من رائحته الانسانية. هكذا تجئ النهاية تتويجا لما قبلها وكاشفة للسر، والسر هو ان قيمة الاشياء الحقيقية ليست ماتساويه النقود ، بل بما تمثله
عند الناس من مشاعر. هذه هى رسالة النص ووصية الحاضر والماضي للمستقبل
انه نص جميل في مبناه ومعناه. وينبغى ان نلاحظ ان المشاهد الثمانية مترابطة وصاعدة بقوة نحو النهاية التى تمثل لحظة التنوير الحاسمة الكاشفة لما قبلها.
صلاح الدين سر الختم على

سبتمبر 2014

Sunday, September 21, 2014

نص تحت مجهر النقد وشذرات عن مميزات القصة القصيرة جدا (صلاح الدين سر الختم على)


النص:
من مأمنهم.سجنوه مخافة فكره؛ نشره حراسه.
الكاتب /عبدالله الشويلان
بقعة ضوء:
نص الكاتب عبد الله الشويلان نص ساحر ونموذجى ويستدعى الوقوف عنده طويلا ومحاولة تشريحه واستنطاقه ومحاورته.
النص يعتمد على المفارقة بين سجن الشخص وسجن الفكرة، فالفكرة عصفور لايمكن السيطرة عليه، وهى حرة مثل الهواء لايمكن اعتقالها والحجر عليها، فالسلطة خافت من أفكار الرجل، فحبسته حتى لاينتشر فكره، لكن الفكر عبر القضبان عبر الحراس الذىن أُ ريد لهم أن يكونوا ادوات لقمع الفكرة وقتلها ، فباتوا ادوات للتنوير بالفكرة ونشرها، فهم بشر قابلين للعدوى( عدوى الفكر) وهم حامل ثقافى للأفكار وتلك طبيعة الإنسان منذ الأزل فهو الناقل الأول للأفكار. النص كذلك يعتمد المفارقة بين شعور السلطة بالأمان(من مأمنهم) في عتبة النص وهو شعور زائف بالأمان يغشى جميع الطغاة فهم يظنون ان موت المناضل وحبسه موت القضية وحبسها، ويقابل هذا الشعور الزائف بالأمان حدوث الذى تخشاه السلطة برغم اجراءاتها ففى الخاتمة(نشره حراسه) والضمير هنا يرجع الى الفكر الذى خشت السلطة انتشاره، فالسجن لم يمنعه من الإنتشار. فتدبير السلطة( حبس المفكر) أدى الى عكس مقصودها، فقد ارادت به( وأد الفكر) فحدث العكس( انتشر الفكر).
مميزات النص: تميز النص بمايلى: قلة الكلمات، وضوح الفكرة، التكثيف،وجود حكاية مكتملة الأركان حافلة بالدراماوصراع الارادات واضح جدا فيها، وجود بداية متقنة وواعدة وخاتمة متوهجة وصادمة، استخدام  الكاتب للتضاد والمتضادات لخلق حيوية في النص. النص قصة قصيرة جدا نموذجية.
 مميزات القصة القصيرة جدا


البداية المتقنة في القصة القصيرة جدا يجب ان تكون قوية مهما كانت هادئة فهى جسر مخادع ينتهى بهاوية وصرخة داوية عند النهاية، البداية في القصة القصيرة جدا مفخخة بطبيعتها وهى استهلال مخادع يأخذ القارئ من عالمه برفق واعدا إياه بالسكون ثم يلقي به في قلب العاصفة، البداية تمهيد للتشظى والإنفجار والتنوير الذى يبلغ قمته في الخاتمة الصادمة المتوهجة التى لاتعود  الأشياء بعدها هى الأشياء. والبداية جسر غير مكتمل، فلو اكتمل الجسر انعدمت المفاجأة والدهشة والصدمة،فالبداية تماثل جسراً بين جبلين تتوسطهما هاوية،يمضى فيه القارئ مطمئنا، وبغتة يجد نفسه يهوى نحو الأسفل، تحرره الحقيقة فيسمو بها وينجو بلا جسر ولاحبال. وبذلك يحل التنوير محل الجسر ومحل الأجنحة وأحزمة الأمان.وقلة الكلمات هى التى تجعل النهاية صادمة، فكلما ترهل النص قل وقع الصدمة على قارئه، بل قد ينصرف عنه الى شأن آخر وبالتالى ينتفى تأثير البداية المتقنة عليه، لذلك يجب ان تكتب القصة القصيرة جدا كجرعة تؤخذ برشفة واحدة ولا فواصل فيها أو فرصة لالتقاط الأنفاس، وقلة الكلمات هنا مسألة نسبية لاتقاس بصورة مطلقة، بل يحكمها النص وموضوعه ولغته وقوة التشويق فيه.والتشويق والحركة في النص يخلقهما عادة الإضمار واستخدام المتضادات للإيحاء بالمغزى الخفى.القصة القصيرة جدا هى فن قول كل شئ دون قول شئ، هى فن الإيجاز الناطق أكثر من كل الثرثارين.وهى نقيض الرواية التى تقول القليل عبر الكثير، ينفق كاتب الرواية وقتا أطول وجهدا أكبر للتعبير عن أفكار صغيرة وربما فكرة واحدة من خلال أحداث كبيرة وكثيرة، وعلى النقيض يقول القاص في القصة القصيرة جدا أفكارا كثيرة وكبيرة عبر مشهد وحيد وكلمات بخيلة.في الرواية قد تعلق بالذاكرة الشخوص والأحداث وتغيب الفكرة عن الأنظار ، في القصة القصيرة جدا، تتوهج الفكرة وتبلغ القارئ فور الفراغ من قراءة النص وتأخذه من عالمه المحدود الى فضاء الفكرة الفسيح فيسبح فيه متلاعبا بالنص كيفما شاء مستولدا إياه أفكارا أخرى جديدة، وهذه السمة التفاعلية للنص أعلى إيقاعا في القصة القصيرة جدا من الروايةبسبب طول الأخيرة وتوزع الفكرة فيها على كامل الرواية فذلك يشتت القارئ ويقلل من قدرته التفاعلية مقارنة بالقصة القصيرة جدا.