في قصة الرجل القبرصي للطيب صالح نجد تأملا عميقا في فكرة الموت ومفهومه وفكرة تخاطب الأرواح وتواصلها، فبطل القصة
وهو راويها يتنزه سائحا في نيقوسيا عاصمة قبرص فيلتقي شخصا غامضا هو رجل قبرصي عمره تجاوز السبعين في أحد الشواطئ، والرجل مع تقدم سنه مفتون بالحياة واللهو والنساء وهو ثري يقول أنه اشتغل كالعبد وكون ثروة والآن يقضي وقته كله في الفراش قائلا ضمن فلسفته التي بشر بها( المرأة تطيل العمر،يجب ان يبدو الرجل أصغر من سنه بعشرين سنة.)فيسأله الراوي: هل تخدع الموت؟فيرد: (ماهو الموت؟ شخص يلقاك صدفة، يجلس معك، كما نجلس الآن، ويتبسط معك في الحديث، ربما عن الطقس أوالنساء أو أسعار الأسهم في سوق المال،ثم يوصلك بأدب الي الباب.يفتح الباب ويشير اليك أن تخرج.بعد ذلك لاتعلم.)
بعد ذلك أشار الرجل الي فتاة كانت الي جوارهم مع أسرتها أشارة بغيضة وتشهاها، فأذ بها تسقط وتشج رأسها وينفض سامر الأسرة السعيدة حزينا،
(وقال الراوي:(فورا قمت من جنب الرجل.وأنا اشعر نحوه بكراهية طاغية
وفجأة حضرت صورة الطاهر ود الرواسي صديق الراوي من الذاكرةوهو يتحدث عن سر نشاطه وحيويته وعدم تأثير الزمن عليه ويعزو ذلك الي العمل بهمة ونشاط
والاستيقاظ الباكر
ثم تغيب صورة ود الرواسي لتظهر صورة الرجل القبرصي ثانية وهو يعلق علي أمرأة أخري ويتشهاها قائلا أنه مستعد لدفع ثمنها، فيتكرر المشهد ويهرع الناس لأسعاف المرأة التي كانت قبل برهة تضج عافية
ويتشكل الرجل القبرصي في هئية أخري ويلاحق الراوي
ويقول له:أنك موجود اليوم ولن تكون موجود غدا....
بعد ذلك يأوي الراوي الي غرفته
وعند العاشرة مساء تنتابه الام فظيعة
ودخل في دوامة من الألام
: يصف حاله
كنت أغيب عن الوعي ، ثم أفيق ثم أدخل في دوامة رهيبة من الألم والنيران، والوجه المرعب يترآي لي بين الغيبوبة وشبه الوعي، ينط من مقعد الي مقعد، يختفي ويبن في أنحاء الغرفة.أصوات لا أفهمها تجئ من المجهول، ووجوه لا أعرفها مكشرة قاتمة.ولم تكن لي حيلة، كنت واعيا بطريقة ما
بعد ذلك عاد الراوي الي بيروت وفي مساء يوم عودته جاءه خبر موت أبيه
وأتضح انه مات في ذات توقيت الألام والكوابيس التي اجتاحت الأبن الراوي في قبرص
وبدأت معاناته مع الموت عند العاشرة مساء ورحل عند الفجر وقت أنتهاء كوابيس الأبن في قبرص.
وهكذا نكتشف في الخاتمة ان الرجل القبرصي ليس الا ملك الموت
أو هو الموت نفسه يطرق الباب بلطف ثم يجالس من يجالس ويحدثه في اشياء تتعلق بالحياة
ويفتح له بوابة الرحيل
وفي ختام القصة بات الراوي موقنا ان ملك الموت قد فاضل بينه وبين أبيه وانه أختار أفضلنا حسب تعبير الراوي.
القصة حوار مع الموت
حوار ينساب بشجن غريب
ويذكرنا بحوارات أخري في أدب الطيب صالح مع الموت
مثل ذلك الحوار مع الموت عند حافة قبر مريوم أو مريم شقيقة محجوب التي رحلت باكرا
وكانت محبوبة محيميد
ولن ننسي أبدا كيف شهقت المصابيح عند حافة القبر حين وسدوا جسدها الغض الثري
ولن ننسي شريط الذكريات الذي لمع في ذاكرة محيميد وهم يوارون جسده
الثري
)وصوته يقول
دفناها عند المغيب كأننا نغرس نخلة، أو نستودع باطن الأرض سرا عزيزا سوف تتمخض عنه في المستقبل بشكل من الأشكال، محجوب قبل خدها، وأنا قبلت جبهتهاوكاد الطريفي يهلك من البكاء،حملناها برفق نحن الستة،،ووضعناها علي حافة القبر.أسمع ذلك الصوت الذي ليس مثله صوت يجئيني من بعيد مثل ناي سحري، في غلالة من أضواء الأقمار في ليالي الصيف، تقول وهي تجر عمامتي من رأسي:
نسكن البندر...سامع..الموية بالانابيب والنور بالكهرباء والسفر سكة حديد..الله يلعن ود حامد سجم ورماد..فيها المرض والموت ووجع الرأس
أحسست بها خفيفة بين ذراعي وانا انزل بها نحو القبر
(كانت مثل طائر، رفعها محجوب من نعشها، فشهق ضوء المصابيح علي حافة القبر
ويرفض محيميد فكرة موتها
فيجعلها تقفز منه وتعود الي النهر
ويجعل أشعة الشمس تترك كل شئ وتتعلق بجسدها
أنها سيمفونية الحياة عند اعتاب الموت
أنها عظمة الطيب صالح
طبت حيا وميتا ايها الطيب الصالح
صلاح سر الختم
نوفمبر 2012
مروي
No comments:
Post a Comment